وغوائلهم ليست بدعوى لا يقوم شاهدها ولا هي بشناعة لا يهتدي قائدها ، بل هذا رسولهم عند سنان صاحب الملاحدة ورسولهم عند القمص ملك الفرنج ، وهذه الكتب الواصلة بذلك قد سيرت. ولاستيجاب الولاية طرق ، أما السبق إلى التقليد فللخادم السبق ، وأما العدالة والعدل فلو وقع الفرق لوقع الحق ، وأما بالإثار بالطاعة فله فيها ما لو لا معونة الخالق فيه لقصرت عنه أيدي الخلق ، ومتى استمرت المشاركه في الشام أفضت إلى ضعف التوحيد وقوة الاشتراك وترامت إلى أخطار يعجز عنها خواطر الاستدراك وأحوجت قابض الأعنة إلى أن يعيلها الجدد ويرسلها العراك ، وطريق الصلاح والمصالحات الأيمان ، والمشار إليهم (يعني أصحاب الموصل) لا يلتزمون ربقتها ولا يوجبون صفقتها ، وكفى بالتجريب ناهيا عن الغرّة ، ولا يلدغ المؤمن إلا مرّة ، وإذا اجتمعت في الشام أيد ثلاث يد عادية ويد ملحدة ويد كافرة نهض الكفر بتثليثه وقصرت عن الإسلام يد مغيثه ولم ينفع الخادم حينئذ تصحيح حسابه وتصديق حديثه ، وما يريد الخادم إلا من تكون عليه يد الله وهي الجماعة ولا يؤثر إلا ما يتقرب به إليه وهو الطاعة ولا يتوخى إلا ما يقوم به الحجة اليوم ويوم تقوم الساعة.
ومن كتاب آخر : قد أحاط العلم بما طالع به أولا عند وفاة نور الدين رحمهالله أن التقليد الشريف المستضيئي لما وصله بالبلاد وكان قد فتح أكثرها قلاعا وأمصارا وحصونا وديارا ، ولم يبق إلا قصبة حلب وهو على أخذها عدل ولد نور الدين عن القتال إلى النوال وعن النزال إلى الاستنزال ، وقصد القصد الذي ما أوجبت المحافظة أن يتلقى بالرد فأقره على الولاية فرعا لا أصلا ونائبا لا مستقلا ، وسلم إليه البلاد ويده الغالبة لا المغلوبة وسيوفه السالبة لا المسلوبة ، ومشى الأمر معه مستقيما ومائلا وجائرا وعادلا إلى أن قضى نحبه ولقي ربه ، فبدا من المواصلة نقض الأيمان والابتداء بالعدوان والتعرض للبلاد والتصرف فيها بغير حجة يكون عليها الاعتماد ، فطالع الديوان بالقضية واستشهد بدلالات قوانينه الجليلة في هذا التقليد الذي تهادته المحاضر وأشاعته المنابر ، وسيرت إلى الشرق والغرب نسخه وغلت الأيدي التي تحدث أنفسها أنها نسخه اه.
قال في الروضتين : بعد عود السلطان صلاح الدين من الإسكندرية إلى مصر وذلك في ذي القعدة من سنة ٥٧٧ شرع في الاستعداد لسفر الشام ، فجمع العساكر والسلاح واستصحب نصف العسكر وأبقى النصف الآخر يحفظ ثغور مصر ، وأمر قراقوش بإتمام