الأسوار الدائرة على مصر والقاهرة. قال : وكان السلطان عشية توديعه لأهل مصر جالسا في سرادقه ينشده بيتا في الوداع ، فأخرج أحد مؤدبي أولاده رأسه وأنشد مظهرا له فضله ورافعا به محله :
تمتع من شميم عرار نجد |
|
فما بعد العشية من عرار |
فلما سمعه خمد نشاطه وتبدل بالانقباض انبساطه ، ونحن ما بين مغضب ومغض ينظر بعضنا إلى بعض ولا يقضى العجب من مؤدب ترك الأدب فكأنه نطق بما هو كائن في الغيب ، فإنه ما عاد بعدها إلى الديار المصرية حتى لقي بنجح المنى والمنية.
قال ابن الأثير : وكان مسيره من مصر إلى الشام في خامس المحرم وتبعه من التجار وأهل البلاد ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره عالم كثير ، فلما سار جعل طريقه على أيلة فسمع أن الفرنج قد جمعوا له ليحاربوه ويصدوه عن المسير ، فلما قارب بلادهم سير الضعفاء والأثقال مع أخيه تاج الملوك بوري إلى دمشق وبقي هو في العساكر المقاتلة لا غير ، فشن الغارات بأطراف بلادهم وأكثر ذلك ببلد الكرك والشوبك فلم يخرج إليه منهم أحد ولا أقدم على الدنو منه ، ثم سار فأتى دمشق فوصلها حادي عشر صفر من السنة وأقام بها أياما يريح ويستريح هو وجنده. ثم سار إلى طبرية وحارب من تجمع فيها من الإفرنج فكسرهم وعاد إلى دمشق ، ثم سار عنها إلى بيروت وكان قد واعد أسطول مصر أن يتجهز إلى بلاد الساحل فبلغه الخبر أنه وصل إلى بيروت فبادره السلطان بعسكره جريدة قبل أن يفوت ، فلما وصل رأى أن أمر بيروت يطول وكان قد سبى الأسطول منها وسلب وظفر من غنيمتها بما طلب ، فأغار السلطان على تلك البلاد ورجع وأعاد فرخشاه إلى دمشق ورحل إلى بعلبك ومنها إلى حمص (١).
قال في الروضتين : ثم رحل السلطان إلى حماة واستصحب معه ابن أخيه تقي الدين ، فلما قرب من حلب أقبل مظفر الدين كوكوبري بن علي كوجك صاحب حران حينئذ فاجتمع بالسلطان وسار في خدمته من جملة الأعوان ، وأشار عليه أن يعبر الفرات ويجوز ما وراءها ويترك حلب إلى ما بعد ذلك لئلا تشغله عن غيرها ، فاستصوب السلطان رأيه وعبر الفرات.
__________________
(١) [السطور الأخيرة من الروضتين].