العسكر بناحية حوران. قال : وفي صفر من السنة وردت البشائر من جهة نور الدين بما أولاه الله تعالى وله الحمد على حشد الفرنج المخذول ولم يفلت منهم إلا من أخبر ببوارهم وتعجيل دمارهم ، وذلك أن نور الدين اجتمع له من العساكر ستة آلاف فارس مقاتلة سوى الأتباع والسواد ، فنهض بهم إلى الفرنج في الموضع المعروف بإنّب وهم في نحو أربعمائة فارس وألف راجل فقتلوهم وغنموهم ووجد البرنس مقدمهم صريعا بين جماعته وأبطاله فعرف وقطع رأسه وحمل إلى نور الدين ، وكان هذا من أبطال الفرنج المشهورين بالفروسية وشدة البأس وقوة الحيل وعظم الخلقة مع اشتهار الهيبة وكثرة السطوة والتناهي في الشر ، وذلك يوم الأربعاء الحادي والشعرين من صفر. ثم نزل نور الدين في العسكر على باب أنطاكية وقد خلت من حماتها والذابين عنها ولم يبق فيها غير أهلها مع كثرة عددهم وحصانة بلدهم ، وترددت المراسلات بينه وبينهم في طلب التسليم إليه وأيمانهم وصيانة أموالهم ، فوقع الاحتجاج منهم بأن هذا الأمر لا يمكنهم الدخول فيه إلا بعد انقطاع آمالهم من الناصر لهم والمعين على من يقصدهم ، وحملوا ما أمكنهم من التحف والمال ، ثم استمهلوا فأمهلوا ، ثم رتب نور الدين بعض العساكر للإقامة عليها والمنع لمن يصل إليها ونهض في بقية العساكر لمنازلتها ومضايقتها فالتمسوا الأمان فأومنوا على أنفسهم وسلموا البلد في ثامن عشر ربيع الأول ، وانكفأ نور الدين في عسكره إلى ناحية أنطاكية وقد انتهى الخبر بنهوض الفرنج من السواحل إلى صوب أنطاكية لإنجاد من بها فاقتضت الحال مهادنة من في أنطاكية وموادعتهم وتقرير أن يكون ما قرب من الأعمال الحلبية له وما قرب من أنطاكية لهم. ورحل عنهم إلى جهة غيرهم بحيث كان قد ملك في هذه النوبة مما حول أنطاكية من الحصون والقلاع والمعاقل وغيرها من المغانم الجمة. وفصل عنه الأمير مجاهد الدين نران في العسكر الدمشقي ، وقد كان له في هذه الوقعة ولمن في جملته البلاء المشهور والذكر المشكور لما هو موصوف به من الشهامة والبسالة وإصابة الرأي والمعرفة بمواقف الحروب.
وقال ابن أبي طي : حمل أسد الدين على حامل صليب الفرنج وقتله وقتل البرنس صاحب أنطاكية وجماعة من وجوه عسكره ولم يقتل من المسلمين من يقوم به ، وعاد المسلمون بالغنائم والأسرى ، وكان لأسد الدين في هذه الحرب اليد البيضاء ، ومدحه بها بعض الشعراء الحلبيين بقصيدة يقول فيها :