وتكفل له بفتح جبلة واللاذقية والبلاد الشمالية ، فسار صلاح الدين معه رابع جمادى الأولى فنزل بأنطرسوس (ثم ذكر خبر أخذها وخربها). قال : ورحل عنها وأتى مرقية وقد أخلاها أهلها ورحلوا عنها وساروا إلى المرقب وهي من حصونهم التي لا ترام ولا تحدث أحدا نفسه بملكه لعلوه وامتناعه ، وهو للاسبتار والطريق تحته فيكون الحصن على يمين المجتاز إلى جبلة والبحر عن يساره ، والطريق مضيق لا يسلكه إلا الواحد بعد الواحد ، فاتفق أن صاحب صقلية من الفرنج قد سير نجدة إلى فرنج الساحل في ستين قطعة من الشواني وكانوا بطرابلس ، فلما سمعوا بمسير صلاح الدين جاؤوا ووقفوا في البحر تحت المرقب في شوانيهم ليمنعوا من يجتاز بالسهام ، فلما رأى صلاح الدين ذلك أمر بالطارقيات والجفتيات فصفت على الطريق مما يلي البحر من أول المضيق إلى آخره ، وجعل وراءها الرماة فمنعوا الفرنج من الدنو إليهم ، فاجتاز المسلمون عن آخرهم حتى عبروا المضيق ووصلوا إلى جبلة ثامن عشر جمادى الأولى وتسلمها وقت وصوله ، وكان قاضيها قد سبق إليها ودخل ، فلما وصل صلاح الدين رفع أعلامه على سورها وسلمها إليه ، وتحصن الفرنج الذين كانوا بها بحصنها واحتموا بقلعتها ، فما زال قاضي جبلة يخوفهم ويرغبهم حتى استنزلهم بشرط الأمان وأن يأخذ رهائنهم يكونون عنده إلى أن يطلق الإفرنج رهائنهم من المسلمين من أهل جبلة. وكان بيمند صاحبها قد أخذ رهائن القاضي ومسلمي جبلة وتركهم عنده بأنطاكية ، فأخذ القاضي رهائن الإفرنج وجاء رؤساء أهل الجبل إلى صلاح الدين بطاعة أهله وهو من أمنع الجبال وأشقها مسلكا ، وفيه حصن يعرف ببكسرايل بين جبلة ومدينة حماة فملكه المسلمون ، وصار الطريق عليه في هذا الوقت من بلاد الإسلام إلى العسكر ، وكان الناس يلقون شدة في سلوكه. وقرر صلاح الدين أحوال جبلة وجعل فيها لحفظها الأمير سابق الدين عثمان بن الداية صاحب شيزر وسار عنها اه.
ذكر فتح اللاذقية
قال القاضي ابن شداد : سار السلطان عن جبلة يطلب اللاذقية ، وكان نزوله عليها في الرابع والعشرين. وهي بلد مليح خفيف على القلب غير مستور ، وله ميناء مشهور ، وله قلعتان متصلتان على تل مشرف على البلد ، فنزل محدقا بالبلد وأخذ العسكر منازلهم مستديرين على القلعتين من جميع نواحيهما إلا من ناحية البلد ، واشتد القتال وعظم الزحف