الإقطاع والتقدم وصار عنده من أكبر الأمراء ، واتصل أخوه أسد الدين بخدمة نور الدين محمود بن زنكي صاحب حلب ، فقربه نور الدين وأقطعه وكان يرى منه في الحرب آثارا يعجز عنها غيره لشجاعته وجراءته فصارت له حمص والرحبة وغيرهما وجعله مقدم عسكره.
ولما ملك نور الدين محمود بن زنكي دمشق وذلك سنة تسع وأربعين وخمسمائة لازم نجم الدين خدمته وكذلك ولده صلاح الدين ، وكانت مخايل السعادة عليه لائحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ، ونور الدين يرى له ويؤثره ، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد حتى تجهز للمسير مع عمه شيركوه إلى الديار المصرية وذلك سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ، ثم توجه إليها سنة أربع وستين وصار إليها بنفسه وماله وإخوته وأهله ورجاله ومعه ابن أخيه صلاح الدين وهو كاره للخروج مع عمه ولم يخرج معه باختياره (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ولما علم الفرنج بوصول أسد الدين إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين ، وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور (وزير مصر) في الأحيان ، ثم تحقق أسد الدين أنه لا سبيل لاستيلائه على البلاد مع بقاء شاور فأعمل الحيلة في القبض عليه وقتله تلك السنة وصار وزير مصر بدله ، والسلطان صلاح الدين يباشر الأمور مقررا لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته. وفي الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة مات أسد الدين وكانت مدة وزارته شهرين وخمسة أيام ، ولما مات أسد الدين استوزر العاضد صاحب مصر صلاح الدين يوسف واستقرت الأمور بعده وتمهدت القواعد ، ولما تم له ذلك سير بطلب والده نجم الدين أيوب ليتم له السرور وتكون قصته مشاكلة لقصة يوسف الصديق عليهالسلام ، فوصل والده إليه في جمادى الآخرة سنة خمس وستين.
وفي المحرم من سنة سبع وستين وخمسمائة قطعت خطبة العاضد صاحب مصر وخطب فيها للإمام المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، وكان السبب في ذلك ضعف أمر العاضد وتفرق العساكر في أهليهم ، وكان نور الدين محمود قد كتب له يأمره بذلك ، وفي أثناء ذلك توفي العاضد آخر ملوك العبيديين فاستولى صلاح الدين على قصره وأمواله وذخائره ، وكان فيه من الجواهر والأعلاق النفيسة ما لم يكن عند الملوك قد جمع على طول السنين وممر الدهور ، فمنه القضيب الزمرد طوله نحو قصبة ونصف والحبل الياقوت