وغيرهما ، ومن الكتب المنتخبة بالخطوط المنسوبة والخطوط الجيدة نحو مائة ألف مجلد ، وباع السلطان صلاح الدين جميع ذلك. واستقل حينئذ صلاح الدين بأمر مصر ومهد أمورها وجرى أمره فيها على السداد. ولما توفي الملك العادل نور الدين بدمشق كما تقدم وعلم صلاح الدين أن ولده الملك الصالح صبي لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك واختلفت الأحوال بالشام ، فنهض حينئذ إليها واستولى عليها وعاد إلى مصر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة ، ثم خرج منها إلى الشام في سنة ثمان وسبعين واستمر على الجهاد في سبيل الله إلى أن توفي في التاريخ المتقدم رحمهالله.
وقال القاضي ابن شداد في القسم الأول من كتابه السيرة الصلاحية الذي ذكر فيه مولده ومنشأه وخصائصه وأوصافه وأخلاقه المرضية ما خلاصته : اتفق لوالده الانتقال من تكريت إلى الموصل وانتقل ولده المذكور معه وأقام بها إلى أن ترعرع ، ثم أعطي بعلبك وأقام بها مدة فنقل ولده إليها وأقام بها في خدمة والده يتربى تحت حجره ويرتضع ثدي محاسن أخلاقه ، حتى بدت منه أمارات السعادة ولاحت لوائح التقدم والسيادة فقدمه الملك العادل نور الدين محمود رحمهالله وعول عليه ونظر إليه وقرّبه وخصّصه ، ولم يزل كلما تقدم قدما تبدر منه أسباب تقضي تقديمه إلى ما هو أعلى منه.
وكان رحمهالله حسن العقيدة كثير الذكر لله تعالى ، قد أخذ عقيدته على الدليل بواسطة البحث مع مشايخ أهل العلم وأكابر الفقهاء ، وكان قد جمع له الشيخ قطب الدين النيسابوري عقيدة تجمع جميع ما يحتاج إليه في هذا الباب ، وكان من شدة حرصه عليها يعلمها للصغار من أولاده حتى ترسخ في أذهانهم في الصغر. وكان شديد المواظبة على الصلاة بالجماعة ، حتى إنه ذكر يوما أن له سنين ما صلى إلا جماعة. وكان إن مرض يستدعي الإمام وحده ويكلف نفسه القيام ويصلي جماعة. وكان يواظب على السنن الرواتب ، وكان له صلوات يصليها إذا استيقظ في الليل ، وإلا أتى بها قبل صلاة الصبح. ولقد رأيته قدس الله روحه يصلي في مرضه الذي مات فيه قائما وما ترك الصلاة إلا في الأيام الثلاثة التي تغيب فيها ذهنه. وأما الزكاة فإنه مات رحمهالله ولم يحفظ ما تجب عليه به الزكاة. وأما صدقة النفل فإنها استرقت جميع ما ملكه من الأموال ، فإنه ملك ما ملك ومات ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما ناصرية جرما واحدا ذهبا ، ولم يخلف ملكا ولا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة ولا شيئا من أنواع الأملاك. وكان رحمهالله تعالى يحب