سماع القرآن العظيم ويستجيد إمامه ويشترط أن يكون عالما بعلم القرآن العظيم متقنا لحفظه. وكان يستقرىء من يحرسه في الليل وهو في برجه الجزأين والثلاثة والأربعة وهو يسمع ، وكان رحمهالله خاشع القلب رقيقه عزير الدمعة إذا سمع القرآن يخشع قلبه وتدمع عينه في معظم أوقاته. وكان رحمهالله شديد الرغبة في سماع الحديث ، وكان يأمر الناس بالجلوس عند سماع الحديث إجلالا له. وإن كان ذلك الشيخ ممن لا يطرق أبواب السلاطين ويتجافى عن الحضور في مجالسهم سعى إليه وسمع عليه ، وتردد إلى الحافظ الأصفهاني بالإسكندرية وروى عنه أحاديث كثيرة. وكان يحب أن يقرأ الحديث بنفسه ، وكان يستحضرني في خلوته ويحضر شيئا من كتب الحديث ويقرؤها هو ، فإذا مر بحديث فيه عبرة رق قلبه ودمعت عينه.
وكان رحمهالله كثير التعظيم لشعائر الدين ، يقول ببعث الأجسام ونشورها ومجازاة المحسن بالجنة والمسيء بالنار ، مصدقا بجميع ما وردت به الشرائع منشرحا بذلك صدره مبغضا للفلاسفة والمعطلة ومن يعاند الشريعة.
ولقد كان رحمهالله عادلا رؤوفا رحيما ناصرا للضعيف على القوي ، وكان يجلس للعدل في كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ، ويفتح الباب للمتحاكمين حتى يصل إليه كل أحد من كبير وصغير وعجوز هرمة وشيخ كبير ، وكان يفعل ذلك سفرا وحضرا. على أنه كان في جميع زمانه قابلا لجميع ما يعرض عليه من القصص في كل يوم ، ويفتح باب العدل ولم يرد قاصدا للحوادث والحكومات.
وكان يجلس مع الكاتب ساعة إما في الليل وإما في النهار ، ويوقع على كل قصة بما يجريه الله على قلبه ، ولم يرد قاصدا أبدا ولا منتحلا ولا طالب حاجة ، وهو مع ذلك دائم الذكر والمواظبة على التلاوة.
وكرمه قدّس الله روحه كان أظهر من أن يسطر وأشهر من أن يذكر ، وكان يعطي في وقت الضيق كما يعطي في حالة السعة ، وكان نواب خزائنه يخفون عنه شيئا من المال حذرا أن يفاجئهم مهم لعلمهم بأنه متى علم به أخرجه. وسمعته يقول في معرض حديث جرى : يمكن أن يكون في الناس من ينظر إلى المال كما ينظر إلى التراب ، فكأنه أراد بذلك نفسه رحمهالله.