وكان يعطي فوق ما يؤمل الطالب ، فما سمعته قط يقول أعطينا ، وكان يعطي الكثير ويبسط وجهه للعطاء بسطه لمن لم يعطه شيئا. وأكثر الرسائل كانت تكون في ذلك على لساني ويدي ، وكنت أخجل من كثرة ما يطلبون ولا أخجل منه من كثرة ما أطلبه لهم لعلمي بعدم مؤاخذته ذلك ، وما خدمه أحد إلا وأغناه عن سؤال غيره. وقد سمعت من صاحب ديوانه يقول لي : قد تجارينا عطاياه فحصرنا عدد ما وهب من الخيل بمرج عكا فكان عشرة آلاف فرس ، ومن شاهد مواهبه يستقل هذا القدر.
وكان رحمهالله من عظماء الشجعان ، قوي النفس شديد البأس عظيم الثبات ولا يهوله أمر ، ولقد رأيته يعطي دستورا في أوائل الشتاء ويبقى في شرذمة يسيرة في مقابلة عددهم الكثير. وكان لابد له من أن يطوف حول العدو في كل يوم مرة أو مرتين إذا كنا قريبا منهم ، ولقد وصل في ليلة واحدة منهم نيف وسبعون مركبا على عكا وأنا أعدها من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وهو لا يزداد إلا قوة نفس.
وكان إذا اشتد الحرب يطوف بين الصفين ومعه صبي واحد وعلى يده جنيبة ويخرق العساكر من الميمنة إلى الميسرة ويرتب الأطلاب ويأمرهم بالتقدم والوقوف في مواضع يراها ، وكان يشارف العدو ويجاوره.
ولقد قرىء عليه جزآن من الحديث بين الصفين ، وذلك أني قلت له : قد سمع الحديث في جميع المواطن الشريفة ولم ينقل أنه سمع بين الصفين ، فإن رأى المولى أن يؤثر عنه ذلك كان حسنا ، فأذن في ذلك فأحضر جزءا كما أحضر من له به سماع فقرىء عليه ونحن على ظهور الدواب بين الصفين نمشي تارة ونقف أخرى.
وما رأيته استكثر العدو أصلا ولا استعظم أمرهم ، وكان مع ذلك في حال الفكر والتدبير تذكر بين يديه الأقسام كلها ويرتب على كل قسم بمقتضاه من غير حدة ولا غضب يعتريه ، ولقد انهزم المسلمون في يوم المصاف الأكبر بمرج عكا حتى القلب ورجاله ووقع الكؤس والعلم وهو رضياللهعنه ثابت القدم في نفر يسير ، حتى انحاز إلى الجبل يجمع الناس ويردهم ويخجلهم حتى يرجعوا ، ولم يزل كذلك حتى نصر عسكر المسلمين على العدو في ذلك اليوم.
ولقد كان رحمهالله شديد المواظبة على الجهاد عظيم الاهتمام به ولو حلف حالف إنه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارا ولا درهما إلا في الجهاد أو في الأرفاد لصدق وبر في