وفي ربيع الاخر وصلت العساكر المصرية إلى حضرة السلطان إلى دمشق فسار بهم منها في سابع الشهر ، فاجتاز بحماة واستصحب ملكها المنصور ، ثم سار إلى حلب فخيم بالميدان الأخضر بها ، وكان سبب ذلك أن عسكر التتار جمعوا نحوا من عشرة آلاف فارس وبعثوا طائفة منهم فأغاروا على عين تاب ووصلوا إلى نسطون ووقعوا على طائفة من التركمان بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم ، فلما سمع التتار بوصول السلطان رجعوا على أعقابهم.
قال ابن إياس : وفيها جاءت الأخبار بأن التتار قد تحركوا على البلاد ووصلوا إلى الفرات وملكوا البيرة ، فخرج إليهم السلطان ومعه سائر الأمراء ، وكان جاليش العسكر الأمير قلاوون الألفي والأمير بيسري ، فتلاقوا مع التتار على الفرات فكان بينهم وقعة عظيمة فقتل منهم ما لا يحصى عدده وأسر منهم جماعة كثيرة ، فلما دخل السلطان البيرة خلع على نائبها وأقره على حاله وفرق جملة من المال على من بها من الرعية لأنهم قاتلوا التتار قتال الموت حتى كسروهم كسرة قوية ، فأقام السلطان في البيرة أياما ثم رجع إلى الشام فأقام بها شهرا ثم توجه إلى الديار المصرية فدخلها في موكب عظيم وزينت له وحملت القبة والطبر على رأسه اه.
وقال القطب اليونيني في حوادث هذه السنة : وفي خامس جمادى الأولى اتصل بالملك الظاهر وهو بدمشق أن فرقة من التتار قصدت الرحبة ، فبرز إلى القصير بالعساكر فبلغه أنهم عادوا عن الرحبة ونزلوا على البيرة ، فسار إلى حمص وأخذ مراكب الصيادين بالبحيرة على الجمال للجسور ، ثم رحل حتى وصل إلى الباب من أعمال حلب وبعث جماعة من المماليك والعربان لكشف أخبارهم وسار إلى منبج ، فعادوا وأخبروا أن طائفة من التتر مقدارها ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات مما يلي الجزيرة ، فرحل من منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى ووصل شط الفرات وتقدم إلى العسكر بخوضها ، فخاض الأمير سيف الدولة قلاوون والأمير بدر الدين بيسري في أول الناس ، ثم تبعهما بنفسه وتبعته العساكر فوقعوا على التتر فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا مقدار مائتي نفس ولم ينج منهم إلا القليل ، وتبعهم الأمير بدر الدين بيسري إلى قرب سروج ثم عاد ، والذين كانوا على البيرة شرف الدين بن الخطير وأتابك أرسلان دغمش وأمين الدين ميكائيل النائب بقونية وأمر الروم تقديرا ثلاثة آلاف فارس (١) ومقدم المغل [التتار] درباي ، ولما اتصل بهم خبر
__________________
(١) هكذا في الأصل ولعل القصد أن ميكائيل جاء نجدة من طرف ملك الروم السلجوقي ومعه ثلاثة آلاف فارس.