هذا خارجا عن العربان والمشاة والعبيد والغلمان وغير ذلك. فلما دخل الليل حالت الظلمة بين العسكرين فالتجأ عسكر غازان إلى أعلى الجبال وباتوا يوقدون النيران وبات عسكر السلطان محدقين بهم كالحلقة ، فلما لاح الصباح من يوم الأحد رابع شهر رمضان عاين عسكر التتار الهلاك من العطش والجوع فصاروا يتسحبون من الأودية أولا بأول ، فحمل عسكر السلطان عليهم فصيروهم رمما وأسروا منهم ما شاؤوا فامتلأت من قتلاهم القفار ، فلما وصلت هذه النصرة للملك الناصر محمد أرسل الأمير بكتوت الفتاح بأخبار هذه النصرة إلى الديار المصرية.
ثم إن السلطان رحل من المكان الذي وقعت فيه الواقعة ودخل إلى دمشق وصحبته الخليفة المستكفي بالله سليمان والقضاة الأربعة فنزل بالقصر الأبلق ، وكان يوم دخوله إلى دمشق يوما مشهودا لم يسمع بمثله.
وقبل هذه الواقعة كانت وقعة أخرى ذكرها أبو الفداء في تاريخه فقال : في هذه السنة عاودت التتر قصد الشام وساروا إلى الفرات وأقاموا عليها مدة في أزوارها (بساتينها) وسارت منهم طائفة تقدير عشرة آلاف فارس وأغاروا على القريتين وتلك النواحي ، وكانت العساكر قد اجتمعت بحماة عند زين الدين كتبغا النائب بحماة وكان مريضا من حين عاد من بلاد سيس ، فلما اجتمعت العساكر عنده وقع الاتفاق على إرسال جماعة من العسكر إلى التتر الذي أغاروا على القريتين فجردوا أستدمر الكرجي نائب السلطنة بالساحل وجردوا صحبته جماعة من عسكر حلب وجماعة من عسكر حماة وجردوني أيضا من جملتهم ، فسرنا من حماة سابع شعبان من هذه السنة وتواقعنا مع التتر على موضع يقال له الكوم قريبا من عرض ، واقتتلنا معهم يوم السبت عاشر شعبان الموافق لسلخ آذار وصبر الفريقان ، ثم نصر الله المسلمين وولى التتر منهزمين وترجّل منهم جماعة كثيرة عن خيلهم وأحاط المسلمون بهم بعد فراغهم من الوقعة وبذلوا لهم الأمان فلم يقبلوا وقاتلوا بالنشاب وعملوا سروج الخيل ستائر لهم وناوشهم العسكر القتال من الضحى إلى انفراك الظهر ، ثم حملوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم ، وكان هذا النصر عنوان النصر الثاني ، ثم عدنا مؤيدين منصورين ووصلنا حماة ثالث عشر شعبان الموافق لثاني نيسان. (ثم ذكر الواقعة الثانية بمعنى ما قدمناه عن ابن إياس إلى أن قال) : لما أصبح الصباح وشاهد التتر كثرة المسلمين انحدروا من الجبل يبتدرون الهرب وتبعهم