به السلطان حسين ملك هراة فأمر بضربه ثم بصلبه ، فضرب ثم تشفع في ترك صلبه الأمير غياث الدين ابن السلطان حسين المذكور ، فقال له أبو حسين : هذا أصل مادة الفساد ، لئن بقي ليهلكن العباد والبلاد ، فقال له ابنه غياث الدين : وما عسى أن يصدر من نصف آدمي وقد أصيب بالدواهي ، فما زال يراجع أباه حتى قبل شفاعته ووهبه له وعفا عنه. ثم إن غياث الدين اصطحبه معه وقرّبه وأدناه وجعله من خواصه وزوّجه أخته ورقّاه حتى صار من وزرائه ، فلما صار الملك لغياث الدين بعد موت أبيه حسين ازدادت منزلة تيمور وصار مقدما على كثير من الجند فطغى وبغى على مولاه غياث الدين. ومبدأ ذلك أن زوجة تيمور وهي أخت السلطان غياث الدين وقع بينها وبين تيمور شيء أغضبه فقتلها ولم يراع حرمة مولاه ، ثم لم يسعه الأمر إلا بالخروج على السلطان غياث الدين وخلع الطاعة واقتعد غارب التمرد والطغيان ، فتملك بما كان تحت يده من الجند كثيرا من الممالك حتى استصفى ممالك ما وراء النهر وذلت لأوامره ملوك الدهر ، وشرع في استخلاص بقية البلاد واسترقاق العباد ، فكان يجري في جسد العالم مجرى الشيطان من بني آدم ويدب في البلاد دبيب السم في الأجساد ، ثم أرسل إلى مخدومه سلطان هراة الملك غياث الدين يطلب منه الدخول في طاعته ليجازيه على إحسانه بإساءته فيتحقق بذلك قول النبي صلىاللهعليهوسلم «كتب الله على كل نفس خبيثة أن لا تخرج من الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها».
فأرسل غياث الدين يقول له : أما كنت خادما لي وأحسنت إليك وأسبلت ذيل نعمتي عليك ، وذلك بعد أن نجّيتك من الضرب والصلب ، فإن لم تكن إنسانا يعرف الإحسان فكن كالكلب. فلم يصغ لذلك بل عبر جيحون بمن معه من الجند وتوجّه إلى محاصرة مولاه غياث الدين بهراة ، ولم يكن لغياث الدين قوة إلى قتاله والوقوف بين يديه فحصّن نفسه في القلعة فحاصره وضيّق عليه ثم أمّنه وقبض عليه وحبسه ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات جوعا وعطشا ، ثم عاد إلى خراسان فانتقم أولا من أهل سجستان فوضع السيف فيهم فأفناهم عن آخرهم ، ثم خرب المدينة ورحل عنها ، ولم يزل هذا دأبه حتى تخلص له جميع ممالك العجم ودانت له ملوكهم والأمم.
وقدمنا في حوادث سنة ٧٩٥ استيلاءه على بغداد وانهزام صاحبها السلطان أحمد بن أويس ومجيئه إلى حلب ثم توجهه منها إلى القاهرة ، وخروج السلطان برقوق بالعساكر المصرية إلى حلب واستعداده تمام الاستعداد لملاقاته ، فلما بلغ ذلك تيمور رجع إلى بلاده وكانت وفاة الملك الظاهر برقوق سنة ٨٠١.