الأشرف الناصري محمد ابن المرحوم الشرفي موسى بن شهري سبط مولانا السلطان المشار إليه في أول الكتاب ، وكان قد بدع بجماعة تمرلنك وطواشيه مدة إقامته على بهسنى وقتل منهم جماعة وأرسل رؤوسهم إلى حلب وكسر قوما من الذين جهزهم إليه أقبح كسرة ، حتى رمى غالب جماعته نفوسهم في الفرات. وجهز تمرلنك كتابا إلى المشار إليه يقول فيه : إنني خرجت من أقصى بلاد سمرقند ولم يقف أحد أمامي وسائر ملوك البلاد حضروا إلي وأنت سلطت على جماعتي من يشوش عليهم ويقتل من يظفر بهم ، والآن قد مشينا عليك بعساكرنا ، فإن أشفقت على نفسك ورعيتك فاحضر إلينا لترى من الرحمة والشفقة ما لا مزيد عليه ، وإلا نزلنا عليك وخربنا بلدك ، وقد قال الله تعالى (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) فاستعد لما يحيط بك إن أبيت الحضور.
فأمسك المشار إليه الرسول وحبسه ولم يلتفت إلى كتاب تمرلنك ، فمشى عليه أوائل عسكره فبرز إليه المشار إليه وقابلهم وكسرهم. وفي اليوم الثاني حضر تمرلنك ونزل على قلعة المسلمين فبرز إليه المشار إليه وقاتله قتالا شديدا وكانت وقعة عظيمة ، ولما رأى تمرلنك شدة حزمه رجع عن محاربته وأخذ في مخادعته وملاطفته وطلب الصلح وأن يرسل إليه خيلا ومالا لأجل حرمته ، فلم ينخدع معه ، وتنازل معه إلى أن طلب منه حاميا فلم يعطه وعاد خائبا ، وأخذ المشار إليه في أواخره نهبا وقتلا وأسرا ، كل ذلك وباب قلعته مفتوح ولم يغلقه يوما ، وأنشد فيه لسان الحال :
هذا الأمير الذي صحت مناقبه |
|
ليث الوغى عمت الدنيا مفاخره |
ولّى تمرلنك مكسورا أوائله |
|
منه فرارا ١ ومذعورا أواخره |
وكان حصول تلك السعادة للمشار إليه دون غيره من الملوك وأصحاب الحصون لما كان فيه من العلم والديانة والإخلاص والصيانة ولكونه من السلالة الطاهرة العمرية.
__________________
١ ـ في الأصل : مرارا ، ولعل ما أثبتناه هو الصواب.