قال في كراسة عندي (يظهر أنها من كنوز الذهب لأبي ذر) ما ملخصه أن أبا عبيدة لما فتح حلب صالح أهلها على موضع المسجد الجامع فاختطه الصحابة رضياللهعنهم وكان بستانا للكنيسة التي هي الحلاوية ، والجب الذي فيه كان دولابا للبستان ، ثم جدده سليمان بن عبد الملك. ولم يذكر ابن العديم في ترجمة سليمان أن سليمان بناه. وقال في مكان آخر : وبلغني أن سليمان هو الذي بناه كما رأيته بخط ابن عشاير. وقد كان هذا الجامع يضاهي جامع دمشق في الزخرفة والرخام والفسيفساء ، وباهى سليمان في بنائه ما عمل أخوه الوليد في جامع دمشق ، وقيل إنما بناه الوليد وإنه نقل إليه آلة كنيسة قورص ، وكانت هذه الكنيسة من عجائب الدنيا. يقال إن ملك الروم بذل في ثلاثة أعمدة كانت فيها سبعين ألف دينار فلم يسمح الوليد بذلك. ويقال إن بني العباس نقضوا ما كان فيه من الرخام والآلات إلى جامع الأنبار لما نقضوا آثار بني أمية من بلاد الشام ، وعلى باب الحجازية حجر من الرخام الأبيض يقال إن عمر بن عبد العزيز جلس عليه ولا يجلس هناك مهموم في الغالب إلا انفرج همه ببركته. وهذه الحجرة يبلغ طولها نصف ذراع وعرضها أقل من ذلك.
أقول : ولما وسع باب الحجازية وجدد الدرج الذي أمامه وذلك سنة ١٣٢٦ وقلعت الأحجار التي كانت أمام الباب تفتتت هذه فوضعت في كيس من الكتان ومعها زجاجة في داخلها ورقة كتب فيها قصتها ، وقد وضع ذلك الكيس في البنيان وراء الحجر المنقوش فوق باب الحجازية.
قال في الدر المنتخب : ولما دخل نقفور حلب في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة أحرق الجامع والبلد ورحل من حلب ، وعاد سيف الدولة إليها من قنسرين ورم بعض المسجد ، ولما مات سيف الدولة وتولى ولده أبو المعالي سعد الدولة شريف بنى فيه قرعويه غلام أبيه قبة الفوارة التي في وسط الجامع ، وفي هذه القبة جرن رخام أبيض في غاية الكبر والحسن ، وفي دور حافة الجرن مكتوب [هذا ما أمر بعمله قرعويه غلام سيف الدولة في سنة أربع وخمسين وثلثمائة].
أقول : الكتابة كانت قدر نصف ذراع ، وقد كان أثر النقش باقيا وقد محي هذا الأثر سنة ١٣٠٢ حينما رمم الحوض وذلك في زمن والي الولاية وقتئذ جميل باشا ، وياليتهم أبقوا هذا الأثر وإن كان قليلا.