قال في الكراسة : والماء ينصب من هذا الجرن إلى بركة مقطعة من الرخام الأصفر ، ثم يسيل إلى بركة من رخام أصفر قطعة واحدة وهي من عجائب الدنيا ، والعمود الذي في وسط الجامع رؤي النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي عنده ، وفي أعلاه صحن من الحديد كان يوضع فيه البحور قديما ويوضع فيه تارة زيت وحب قطن ليضيء على الجامع.
وأما الشرقية فبناها بنو عماد الدين وكانوا أصحاب طرابلس قديما ، وكان فيها آبار لخزن الغلات المتحصلة من ريع كنيسة هيلانة وهي الحلاوية ، وشاهدت جبا في الحجازية إلى جانب البركة ، وإنما سميت حجازية لأنها منزل أهل الحجاز.
(ثم قال) : وعلم أن الدخول إلى هذا الجامع والصلاة فيه تزيل الكرب وتفرج المهموم ، وهذا مشاهد مرئي ، كيف لا وقد بني في أيام عمر بن الخطاب رضياللهعنه كما تقدم وخطب فيه الصالحون والأخيار كعمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك ، وأخيرا خطب فيه الخطيب أبو يحيى عبد الرحيم الفارقي ابن نباتة صاحب الخطب المشهورة التي وقع الإجماع أنه ما عمل مثلها ، وقصة رؤياه للنبي صلىاللهعليهوسلم وتفله في فيه مشهورة ، وأقام ثمانية عشر يوما لا يطعم ولا يشرب لبركتها.
ولأبي بكر الصنوبري الشاعر المشهور شاعر سيف الدولة قصيدة طويلة يمدح فيها حلب ذكرها ياقوت في معجمه ، ومما قاله فيها في مدح هذا الجامع :
حلب بدر دجى أنجمها الزهر قراها
حبذا جامعها الجامع للنفس تقاها
موطن يرسي ذوو البر لمرساه جباها
سهوات الطرف فيه فوق ما كان اشتهاها
قبلة كرمها الله بنور وحباها
ورآها ذهبا في لازورد من رآها
ومراقي منبر أعظم شيء مرتقاها
وذرى مئذنة طالت ذرى النجم ذراها
ولفوّارته ما لا تراه بسواها
قصعة ما عدت الكعب ولا الكعب عداها
أبدا يستقبل السحب بسحب من حشاها