ساق في الروضتين ما قام به الوزير جمال الدين من الثدابير في تقرير سيف الدين غازي أخي نور الدين في الملك لبلاد الموصل ، إلى أن قال :
ولما استقر سيف الدين في الملك أطاعه جميع البلاد ما عدا ما كان بديار بكر كالمعدن وحيزان وأسعرد وغير ذلك ، فإن المجاورين لها تغلبوا عليها ، قال : ولما فرغ سيف الدين من إصلاح أمر السلطنة وتحليفه وتقرير أمر البلاد عبر إلى الشام لينظر في تلك النواحي ويقرر القاعدة بينه وبين أخيه نور الدين وهو بحلب ، وقد تأخر عن الحضور عند أخيه نور الدين وخافه ، فلم يزل يراسله ويستميله ، فكلما طلب شيئا أجابه إليه استمالة لقلبه. واستقرت الحال بينهما على أن يجتمعا خارج العسكر السيفي ومع كل واحد خمسمائة فارس ، فلما كان يوم الميعاد بينهما سار نور الدين من حلب في خمسمائة فارس وسار سيف الدين من معسكره في خمسة فوارس فلم يعرف نور الدين أخاه سيف الدين حتى قرب منه ، فحين رآه عرفه فترجل له وقبل الأرض بين يديه وأمر أصحابه بالعود عنه ، فعادوا وقعد سيف الدين ونور الدين بعد أن اعتنقا وبكيا ، فقال له سيف الدين : لم امتنعت من المجيء إلي أكنت تخافني على نفسك؟ والله ما خطر ببالي ما تكره ، فلمن أريد البلاد ومع من أعيش وبمن أعتضد إذا فعلت السوء مع أخي وأحب الناس إلي؟ فاطمأن نور الدين وسكن روعه وعاد إلى حلب ، فتجهز وعاد بعسكره إلى خدمة أخيه سيف الدين ، فأمره سيف الدين بالعود وترك عسكره عنده وقال : لا غرض لي في مقامك عندي ، وإنما غرضي أن يعلم الملوك والفرنج اتفاقنا ، فمن يريد السوء يكف عنه ، فلم يرجع نور الدين ولزم إلى أن قضيا ما كانا عليه وعاد كل واحد منهما إلى بلده.
قلت : ومن قصيدة لابن منير في نور الدين :
أيا خير الملوك أبا وجدا |
|
وأنفعهم حيا لغليل صاد |
علوا وغلوا وقال الناس فيهم |
|
شوارد من ثناء أو أحاد |
وما اقتسموا ولا عمدوا بناهم |
|
بمنصبك القسيمي العمادي |
وهل حلب سوى نفس شعاع |
|
تقسمها التمادي والتعادي |
نفى ابن عماد دين الله عنها ال |
|
شكاة فأصبحت ذات العماد |
__________________
١ ـ في الأصل : نفى ابن عماد الدين ... وصوابه كما أثبتناه نقلا عن مخطوطة أوكسفورد.