كمشتكين والملك الصالح من حلب فيعاملهم بما عامل به بني الداية راسلوا سيف الدين غازي ليسلموها إليه ، فلم يجبهم ، فحملهم الخوف على أن راسلوا صلاح الدين يوسف بن أيوب بمصر ، وكان كبيرهم في ذلك شمس الدين بن المقدم ، ومن أشبه أباه فما ظلم. فلما أتته الرسل لم يتوقف وسار إلى الشام فلما وصل دمشق سلمها إليه من بها من الأمراء ودخلها واستقر بها ولم يقطع خطبة الملك الصالح وإنما أظهر أني إنما جئت لأخدمه وأسترد له بلاده التي أخذها ابن عمه.
وقال القاضي ابن شداد في السيرة الصلاحية : لما تحقق السلطان صلاح الدين وفاة نور الدين وكان ولده طفلا لا ينهض بأعباء الملك ولا يستقل بدفع عدو الله عن البلاد تجهز للخروج إلى الشام إذ هو أصل بلاد الإسلام ، فتجهز بجمع كثير من العساكر وخلف في الديار المصرية من يستقل بحفظها وحراستها ونظم أمورها وسياستها وخرج هو سائرا مع جمع من أهله وأقاربه وهو يكاتب أهل البلاد وأمراءها ، واختلفت كلمة أصحاب الملك الصالح واختلت تدابيرهم وخاف بعضهم من بعض ، وقبض البعض على جماعة منهم وكان ذلك سبب خوف الباقين من فعل ذلك وسببا لتنفير قلوب الناس عن الصبي ، فاقتضى الحال أن كاتب شمس الدين بن المقدم السلطان ووصل مطالبا بالملك الصالح ليكون هو الذي يتولى أمره وتربية حاله فيقوم له ما اعوج من أمره ، فوصل دمشق ولم يشق عليه عصا ودخلها بالتسليم يوم الثلاثاء سلخ ربيع الآخر سنة سبعين وتسلم قلعتها ، وكان أول دخوله إلى دار أبيه ، واجتمع الناس إليه وفرحوا به ، وأنفق في ذلك اليوم في الناس مالا طائلا وأظهر الفرح والسرور بالدمشقيين وأظهروا الفرح به وصعد القلعة واستقر قدمه في ملكها اه.
قال في الروضتين : قال ابن أبي طي : لما اتصل بمن في حلب حصول دمشق للملك الناصر وميل الناس إليه وانعكافهم عليه خافوا وأشفقوا وأجمعوا على مراسلته ، فحملوا قطب الدين ينال بن حسان رسالة أرعدوا فيها وأبرقوا وقالوا له : هذه السيوف التي ملكتك مصر بأيدينا والرماح التي حويت بها قصور المصريين على أكتافنا والرجال التي ردت عنك تلك العساكر هي تردك وعما تصديت له تصدك ، وأنت فقد تعديت طورك وتجاوزت حدك وأنت أحد غلمان نور الدين وممن يجب عليه حفظه في ولده.
قال : ولما بلغ السلطان ورود ابن حسان عليه رسولا تلقاه بموكبه وبنفسه وبالغ في إكرامه والإحسان إليه ، ثم أحضره بعد ثالثة لسماع الرسالة منه ، فلما فاه ابن حسان