وخرجوا جميعا حتى خيموا على حماة وأخذوا في حصارها ، واتصل بالسلطان ذلك فرحل من بعلبك إلى حمص وبلغ عز الدين ، فعاد عن حماة ونزل قريبا من جباب التركمان إلى جهة العاصي إلى قريب من شيزر ، وراسل النائب بحماة علي بن أبي الفوارس يقول له : إنما وصلت في إصلاح الحال ووضع أوزار القتال ، وسأله مكاتبة السلطان فيما يجمع الكلمة ويلم شعث الفرقة ، فكتب ابن أبي الفوارس بذلك إلى السلطان وحسن له الصلح وتلطف في ذلك غاية التلطف ، وقدم أبو صالح بن العجمي وسعد الدين كمشتكين لطلب الصلح فأجابهما السلطان إلى ما أرادا وتقرر على أنه يرد إليهم جميع الحصون والبلاد ويقنع بدمشق وحدها ويكون نائبا للملك الصالح ، فلما عاين سعد الدين إجابة السلطان إلى الصلح والنزول عن جميع الحصون التي أخذها حمص وحماة وبعلبك طمع في جانب السلطان وتجاوز الحد في الاقتراح وطلب الرحبة وأعمالها ، فقال : هي لابن عمي ولا سبيل إلى أخذها ، فقام سعد الدين من بين يديه نافرا ، وكان ذلك برأي أبي صالح بن العجمي لأنه كان معه فاجتهد السلطان به أن يرجع فلم يفعل ، وخرج إلى عز الدين مسعود وكان بعد نازلا على حماة وحدثه ما دار بينه وبين السلطان وهون عليه أبو صالح أمر السلطان وأخبره بقلة من معه ، وكان السلطان لما كوتب في أمر الصلح سار في خف من أصحابه ، فلما علموا بذلك طمعوا في جانبه وعولوا على لقائه وانتهاز الفرصة في أمره ، فكاتب باقي أصحابه واستعد لحربهم وسار إلى أن نزل على قرون حماة وأخذ في مدافعة الأيام حتى يقدم عليه باقي عسكره وراسلهم في التلطف للأحوال فلم ينجع فيهم حال ، وكانوا في كل يوم يعزمون على لقائه وقتاله فيبطل عزيمتهم بمراسلة يفتعلها تسويفا للأوقات وتقطيعا للزمان حتى يقدم عليه عسكره ، وكانت هيبته قد ملأت صدور القوم ولو لا ذلك لكانوا قد ناهزوا الفرصة ونالوا منه الغرض.
قال : وفي يوم الأحد تاسع عشر رمضان التقوا ولم يكن بعد قد وصل للسلطان من عسكره أحد فتجمع أصحاب السلطان كردوسا واحدا وأخذوا يحملون يمنة ويسرة ويدافعون الأوقات رجاء أن يتصل بهم بعض العسكر. وضري عسكر حلب والعسكر الموصلي على أصحاب السلطان حين شاهدوا قلتهم واجتماعهم وكاد أصحاب السلطان يولون الأدبار ، فوصل تقي الدين عمر عند الحاجة إليه لتمام السعادة للسلطان ، فإنه لو تأخر ساعة لانكسر عسكره ، فوصل تقي الدين في عسكر مصر وجماعة من الأمراء وهم غير عالمين