مضمونها الاتفاق على حزبنا والتداعي إلى حربنا والتساعد على إزالة خطبنا والاستنفار لمن هو على بعدنا وقربنا ، وقد حلف بها كمشتكين الخادم بحلب وجماعة معه يمينا نقضت الأولى ، فرددنا اليمين إلى يمين الرسول وقلنا : هذه يمين عن الأيمان خارجة ، وأردت عمرا وأراد الله خارجة. وانصرف الرسول عن بابنا وقد نزهنا الله أن يكون اسمه معرضا للحنث العظيم والنكث الذميم ، وعلمنا أن الناقد بصير والآخذ قدير والمواقف الشريفة النبوية أعلاها الله مستخرجة الأوامر إلى الموصلي ، إما بكتاب مؤكد بأن لا ينقض عهد الله من بعد ميثاقه وإما أن تكون الفسحة واقعة لنا في تضييق خناقه اه.
ثم قال ابن شداد [في السيرة الصلاحية] : لما وقعت الوقعة الأولى مع الحلبيين والمواصلة كان سيف الدين صاحب الموصل على سنجار يحاصر أخاه عماد الدين يقصد أخذها منه ودخوله في طاعته ، وكان أخوه قد أظهر الانتماء إلى السلطان صلاح الدين واعتصم بذلك ، واشتد سيف الدين في حصار المكان وضربه بالمنجنيق حتى انهدم من سوره ثلم كثيرة وأشرف على الأخذ ، فبلغه وقوع هذه الوقعة فخاف أن يبلغ ذلك أخاه فيشد أمره ويقوى جأشه ، فراسله في الصلح فصالحه ، ثم سار من وقته إلى نصيبين واهتم بجمع العساكر والإنفاق فيها ، وسار حتى أتى الفرات وعبر بالبيرة وخيم على جانب الفرات الشامي ، وأرسل كمشتكين إليه وجرت مراجعات كثيرة عزم فيها على العود مرارا حتى استقر اجتماعه بالملك الصالح وسمحوا به ، وسار ووصل حلب وخرج الصالح إلى لقائه بنفسه فالتقاه قريب القلعة واعتنقه وضمه إليه وبكى ، ثم أمره بالعود إلى القلعة فعاد إليها وسار هو حتى نزل بعين المباركة وأقام بها مدة وعسكر حلب يخرج إلى خدمته في كل يوم ، وصعد القلعة جريدة وأكل فيها خبزا ونزل وسار راحلا إلى تل السلطان ومعه جمع كبير وأهل ديار بكر والسلطان رحمهالله قد أنفذ في طلب العساكر من مصر وهو يرقب وصولها ، وهؤلاء يتأخرون في أمورهم وتدابيرهم وهم لا يشعرون أن في التأخير تدميرا ، حتى وصل عسكر مصر فسار رحمهالله حتى أتى قرون حماة فبلغهم أنه قد قارب عسكرهم فأخرجوا اليزك ووجهوا من كشف الأخبار فوجدوه قد وصل جريدة إلى جباب التركمان وتفرق عسكره يسقي ، فلو أراد الله نصرتهم لقصدوه في تلك الساعة ، لكن صبروا عليه حتى سقى خيله هو وعسكره واجتمعوا وتعبوا تعبية القتال ، وأصبح القوم على مصاف ، وذلك بكرة الخميس العاشر من شوال فالتقى العسكران وتصادما وجرى قتال عظيم وانكسرت ميسرة