وقال ابن أبي طي : كان سبب موته أن علم الدين سليمان بن جندر سقاه سما في عنقود عنب وهو في الصيد ، وقيل الذي سقاه ياقوت الأسدي في شراب ، وقيل إنه أطعمه خشكنانكة وهو في الصيد. قال : ودفن بالمقام الكبير الذي في القلعة وحزن الناس له حزنا عظيما ، وكان من أحسن الناس صورة وأليقهم أعطافا. قلت : وبلغني أنه كان يقال إن موت الملك الصالح صغيرا كان من كرامات نور الدين رحمهالله فإنه سأل الله تعالى أن لا يعذب شيئا من أجزائه بالنار وولده جزؤه فمات قبل أن يطول عمره على أحسن سيرة وحالة رحمهماالله.
قال ابن الأثير : ولم يبلغ عشرين سنة ، ولما اشتد مرضه وصف له الأطباء خمرا تداويا بها فقال : لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء. وكان عنده علاء الدين الكاساني [صاحب كتاب بدائع الصنائع] الفقيه الحنفي بمنزلة كبيرة يعتقد فيه اعتقادا حسنا ويكرمه ، فاستفتاه فأفتاه بجواز شربها ، فقال له : يا علاء الدين إن الله سبحانه وتعالى قد قرب أجلي أيؤخره شرب الخمر؟ قال : لا والله ، قال : والله لا لقيت الله تعالى وقد استعملت ما حرمه علي. قلت (القائل صاحب الروضتين) : يحتمل أنه ذكر له أن من العلماء من ذهب إلى جواز ذلك لا أنه كان يرى ذلك فإن مذهبه بخلافه والله أعلم.
ثم قال ابن الأثير : فلما أيس من نفسه أحضر الأمراء كلهم وسائر الأجناد واستحلفهم لابن عمه أتابك عز الدين وأمرهم بتسليم مملكته جميعها إليه ، فقال له بعضهم : إن ابن عمك عز الدين له الموصل وغيرها من البلاد من همدان إلى الفرات فلو أوصيت بحلب للمولى عماد الدين ابن عمك لكان أحسن ، ثم هو تربية والدك وزوج أختك وهو أيضا عديم المثل في الشجاعة والعقل والتدبير وشرف الأعراق وطهارة الأخلاق والخلال التي تفرد بها ، فقال : إن هذا لم يغب عني ولكن قد علمتم تغلب صلاح الدين على عامة بلاد الشام سوى ما بيدي ومعي فإن سلمت حلب إلى عماد الدين يعجز عن حفظها من صلاح الدين ، فإن ملكها صلاح الدين فلا يبقى لأهلنا معه مقام ، وإذا سلمتها إلى عز الدين أمكنه أن يحفظها لكثرة عساكره وبلاده وأمواله ، فاستحسن الحاضرون قوله وعلموا صحته وعجبوا من جودة رأيه مع شدة مرضه ومن أشبه أباه فما ظلم.