في «تكتمون» اكتفاء بالتوكيد في الأول ؛ لأن «تكتمونه» توكيد».
وظاهر عبارته أنه لو لم يكن بعد مؤكّد بالنون لزم توكيده ، وليس كذلك ؛ لما تقدم. وقوله : لأنه توكيد ، يعني أن نفي الكتمان فهم من قوله : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) فجاء قوله : (وَلا تَكْتُمُونَهُ) توكيدا في المعنى.
واستحسن أبو حيّان هذا الوجه ـ أعني : جعل الواو عاطفة لا حالية ـ قال : «وهذا الوجه ـ عندي ـ أعرب وأفصح ؛ لأن الأول يحتاج إلى إضمار مبتدأ قبل «لا» حتى تصير الجملة اسمية في موضع الحال ؛ إذ المضارع المنفي ب «لا» لا تدخل عليه واو الحال». وغيره يقول : إنه يمتنع إذا كان مضارعا مثبتا ، فيفهم من هذا أن المضارع المنفيّ بكلّ ناف لا يمتنع دخولها عليه.
وقرأ عبد الله (١) : ليبينونه ـ من غير توكيد ـ قال ابن عطيّة : «وقد لا تلزم هذه النون لام التوكيد قاله سيبويه».
والمعروف ـ من مذهب البصريين ـ لزومهما معا ، والكوفيون يجيزون تعاقبهما في سعة الكلام.
وأنشدوا : [الطويل]
١٧٠٦ ـ وعيشك ـ يا سلمى ـ لأوقن أنّني |
|
لما شئت مستحل ، ولو أنّه القتل (٢) |
وقال الآخر : [المتقارب]
١٧٠٧ ـ يمينا لأبغض كلّ امرىء |
|
يزخرف قولا ولا يفعل (٣) |
فأتى باللام وحدها. وقد تقدم تحقيق هذا.
وقرأ ابن عباس (٤) : ميثاق النبيين لتبيننه للناس ، فالضمير في قوله : (فَنَبَذُوهُ) يعود على (الناس) المبيّن لهم ؛ لاستحالة عوده على النبيين ، وكان قد تقدم في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) [آل عمران : ٨١] أنه ـ في أحد الأوجه ـ على حذف مضاف ، أي : أولاد النبيين ، فلا بعد في تقديره هنا ـ أعني : قراءة ابن عباس ـ. والهاء في (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) قال سعيد بن جبير والسّدّيّ تعود إلى محمد صلىاللهعليهوسلم وعلى هذا يكون الضمير عائدا إلى معلوم غير مذكور (٥).
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٥١ ، والبحر المحيط ٣ / ١٤٢ ، والدر المصون ٢ / ٢٧٩.
(٢) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٤٢ ، والدر المصون ٢ / ٢٧٩.
(٣) ينظر البيت في أوضح المسالك ٤ / ٩٥ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٩٦ ، وشرح التصريح ٢ / ٢٠٣ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٣٨ ، والبحر المحيط ٣ / ١٤٢ ، والدر المصون ٢ / ٢٧٩.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٥١ ، والبحر المحيط ٣ / ١٤٣ ، والدر المصون ٢ / ٢٧٩.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (٩ / ١٠٦).