وشاهدة بأنّ كلّ ممكن لذاته فإنه لابد وأن ينتهي في رجحانه إلى الواجب لذاته ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الخير والشر بقضاء الله ، وإذا كان كذلك امتنع أن يكون المراد من الآية تعليل أفعال الله ـ تعالى ـ بالمصالح وأما قوله : لو كان كذلك لكان قوله : (سُبْحانَكَ) تنزيها عن فعل ما لا شدة فيه ولا صلابة ، وذلك باطل ، فجوابه : لم لا يجوز أن يكون المراد : ربنا ما خلقت هذا رخوا فاسد التركيب ، بل خلقته صلبا محكما؟ وقوله : (سُبْحانَكَ) معناه : أنك إن خلقت السموات والأرض صلبة ، شديدة ، باقية ، فأنت منزه عن الاحتياج إليه والانتفاع به.
وأما قولهم : إنما يحسن وصل قوله : (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) به إذا فسّرناه بقولنا ، فالجواب : لا نسلم بل وجه النظم أنّ قوله : (سُبْحانَكَ) اعتراف بكونه غنيا عن كل ما سواه ، وإذا وصفه بالغنى يكون قد اعترف لنفسه بالعجز والحاجة إليه في الدنيا والآخرة ، فقال : (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) وهذا الوجه أحسن في النظم.
وأما سائر الآيات التي ذكروها فهي دالة على أن أفعاله منزهة عن اتصافها بالعبث ، واللعب ، والبطلان ونحن نقول بموجبه ، وأنّ أفعاله كلّها حكمة وصواب.
وقوله : (سُبْحانَكَ) إقرار بعجز العقول عن الإحاطة بآثار حكمة الله في خلق السموات والأرض. يعني أنّ الخلق إذا تفكروا في هذه الأجسام العظيمة لم يعرفوا منها إلا هذا القدر.
والمقصود منه تعليم العباد كيفية الدعاء وآدابه ، وذلك أنّ من أراد الدعاء فليقدم الثناء ، ثم يذكر بعده الدعاء ، كهذه الآية.
قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ) «من» شرطية ، مفعول مقدم ، واجب التقديم ، لأن له صدر الكلام ، و «تدخل» مجزوم بها ، و (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) جواب لها.
وحكى أبو البقاء عن بعضهم قولين غريبين :
الأول : أن تكون «من» منصوبة بفعل مقدّر ، يفسّره قوله : (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ). وهذا غلط ؛ لأن من شرط الاشتغال صحة تسلط ما يفسّر على ما هو منصوب ، والجواب لا يعمل فيما قبل فعل الشرط ؛ لأنه لا يتقدم على الشرط.
الثاني : أن تكون «من» مبتدأ ، والشرط وجوابه خبر هذا المبتدأ. وهذان الوجهان غلط ، والله أعلم. وعلى الأقوال كلّها فهذه الجملة الشرطية في محل رفع ؛ خبرا ل «إنّ». ويقال : خزيته وأخزيته ثلاثيا ورباعيا ـ والأكثر الرباعي ، وخزي الرجل يخزى خزيا ـ إذا افتضح ـ وخزاية ـ إذا استحيا ـ فالفعل واحد ، وإنما يتميز بالمصدر.
قال الواحديّ : الإخزاء ـ في اللغة ـ يرد على معان يقرب بعضها من بعض.
قال الزّجّاج : أخزى الله العدوّ : أي : أبعده.