لحوق الحوب بترك الإقساط في حقوق اليتامى فتحرجوا من أموالهم ، وكان الرجل منهم ربما كان عنده العشرة من الأزواج أو أكثر ، ولا يقوم بحقوقهنّ في العدل. فقيل لهم : إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فتحرجتم منها ، فكونوا خائفين من ترك العدل في النساء ، فقللوا عدد المنكوحات ؛ لأن من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله ، فكأنه لم يتحرّج ، وهذا قول سعيد بن جبير ، وقتادة والضحاك والسدي (١).
وقيل : لما تحرّجوا من ولاية اليتامى فقيل : إن خفتم في حق اليتامى فكونوا خائفين من الزنا ، فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات ، قاله مجاهد (٢).
وقال عكرمة : هو الرجل عنده النسوة ويكون عنده الأيتام ، فإذا أنفق ماله على النسوة ، وصار محتاجا أخذ في إنفاق أموال اليتامى (٣) عليهن ، فقال تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) عند كثرة الزوجات فقد حرمت عليكم [نكاح] أكثر من أربع ليزول هذا الخوف (٤) ، وهذه رواية لطاوس عن ابن عباس.
فصل
قال الواحدي والزمخشريّ (٥) : قوله (ما طابَ لَكُمْ) أي ما حلّ لكم من النساء لأن منهن من يحرم نكاحها وهي الأنواع المذكورة في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) [النساء : ٢٣].
قال ابن الخطيب (٦) : وهذا فيه نظر ؛ لأن قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) هو أمر إباحة ، فلو كان المراد ما حل لكم لنزلت الآية منزلة قوله : أبحنا لكم نكاح من يكون نكاحها مباحا لكم ، وذلك يخرج الآية من الفائدة ، وأيضا على التقدير الذي ذكره تصير الآية مجملة ؛ لأنّ أسباب الحلّ والإباحة لمّا لم تذكر في هذه الآية صارت مجملة لا محالة ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٣٦) عن سعيد بن جبير والسدي وقتادة والضحاك.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٠) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٣٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٠) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) في أ : مال الأيتام.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٣٥) عن عكرمة. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٠٩) وزاد نسبته لابن أبي شيبة في «المصنف» وابن المنذر. وأما رواية طاوس عن ابن عباس :
فأخرجها الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٣٥) وذكرها السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٠٩) وزاد نسبتها للفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ : قصر الرجال على أربع من أجل أموال اليتامى.
(٥) ينظر : الكشاف ١ / ٤٩٧ وينظر : الرازي ٩ / ١٤١.
(٦) ينظر : تفسير الرازي الموضع السابق.