ذلِكُمْ) [آل عمران : ١٥] بعد ذكر أشياء قبله ، وقد تقدم ما روي في البقرة ما حكي عن رؤبة لما قيل له في قوله : [الرجز]
١٧٤٩ ـ فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنّه في الجلد توليع البهق (١) |
فقال : أردت ذلك فأجرى الضمير مجرى اسم الإشارة.
الرابع : أنه يعود على المال ، وإن لم يجر له ذكر ؛ لأنّ الصّدقات تدلّ عليه.
الخامس : أنه يعود على الإيتاء المدلول عليه ب «آتوا» ، قاله الرّاغب وابن عطيّة.
السّادس : قال الزمخشريّ «ويجوز أن يذكّر الضمير؛ لينصرف إلى الصّداق الواحد، فيكون متناولا بعضه ، ولو أنّث لتناول ظاهره هبة الصّداق كلّه ؛ لأنّ بعض الصّدقات واحد منها (٢) فصاعدا».
وقال أبو حيّان : وأقول حسّن تذكير الضمير أن معنى (فَإِنْ طِبْنَ) فإن طابت كلّ واحدة فلذلك قال : «منه» أي : من صداقها ، وهو نظير قوله : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) [يوسف : ٣١] ؛ أي لكلّ واحدة منهن ، ولذلك أفرد «متكأ».
قوله : «نفسا» منصوب على التّمييز ، وهو هنا منقول من (٣) الفاعل ؛ إذ الأصل : فإن طابت أنفسهنّ ، ومثله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤].
وهذا منصوب عن تمام الكلام ، وجيء بالتمييز هنا مفردا ، وإن كان قبله جمع لعدم اللّبس ، إذ من المعلوم أنّ الكلّ لسن مشتركات (٤) في نفس واحدة ، ومثله : قرّ الزيدون عينا ، كقوله : (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) [هود : ٧٧] وقيل : لفظها واحد ومعناها جمع ، ويجوز «أنفسا» «وأعينا» ولا بدّ من التعرّض لقاعدة يعمّ نفعها ، وهي أنّه إذا وقع تمييز بعد جمع منتصب عن تمام الكلام فلا يخلو : إمّا أن يكون موافقا لما قبله في المعنى ، أو مخالفا له ، فإن كان الأول وجبت مطابقة التّمييز لما قبله نحو : كرم الزيدون رجالا ، كما يطابقه خبرا وصفة وحالا.
وإن كان الثاني : فإمّا أن يكون مفرد المدلول أو مختلفه ، فإن كان مفرد المدلول وجب إفراد التمييز كقولك في أبناء رجل واحد : كرم بنو زيد أبا أو أصلا ، أي : إنّ لهم جميعهم أبا واحدا متصفا بالكرم ، ومثله «كرم الأتقياء سعيا» ، إذا لم تقصد بالمصدر اختلاف الأنواع لاختلاف محالّه ، وإن كان مختلف المدلول : فإما أن يلبس إفراد التمييز لو أفرد أولا ، فإن ألبس وجبت المطابقة نحو : كرم الزيدون آباء ، أي : أن لكل واحد أبا غير أب الآخر يتصف بالكرم ، ولو أفردت هنا لتوهّم أنهم كلّهم بنو أب واحد ، والغرض خلافه ، وإن لم يلبس جاز الأمران المطابقة والإفراد ، وهو الأولى ، ولذلك جاءت عليه
__________________
(١) تقدم برقم ٥٧٩.
(٢) في ب : الصداق.
(٣) في ب : عن.
(٤) في أ : ليس يشتركان.