الآية الكريمة ، وحكم التثنية في ذلك كالجمع ، وحسّن الإفراد هاهنا أيضا ما تقدّم من محسّن (١) تذكير الضمير وإفراده في «منه» ، وهو أنّ المعنى : فإن طابت كلّ واحدة نفسا.
وقال بعض البصريين : «إنّما أفرد ؛ لأن المراد بالنفس هنا الهوى ، والهوى مصدر ، والمصادر لا تثنّى ولا تجمع».
وقال الزمخشريّ : و «نفسا» تمييز ، وتوحيدها ؛ لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه. ونحا أبو البقاء نحوه ، وشبّهه ب «درهما» في قولك : عشرون درهما.
واختلف النحاة في جواز تقديم التمييز على عامله إذا كان متصرفا فمنعه سيبويه ، وأجازه المبرد وجماعة مستدلين بقوله : [الطويل]
١٧٥٠ ـ أتهجر ليلى بالفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب (٢) |
وقوله : [الطويل]
١٧٥١ ـ رددت بمثل السّيد نهد مقلّص |
|
كميش إذا عطفاه ماء تحلّبا (٣) |
والأصل تطيب نفسا ، وتحلّبا ماء ، وفي البيتين كلام طويل ليس هذا محلّه ، وحجة سيبويه في منع ذلك أنّ التّمييز فاعل في الأصل ، والفاعل لا يتقدّم ، فكذلك ما في قوته ، واعترض على هذا بنحو : زيدا ، من قولك أخرجت زيدا ، فإن زيدا في الأصل فاعل قبل النّقل ، إذ الأصل : خرج زيد والفرق لائح فالتمييز أقسام كثيرة مذكورة في كتب القوم. والجارّان في قوله (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ) متعلقان بالفعل قبلهما متضمنا معنى الإعراض ، ولذلك عدّي ب «عن» (٤) كأنّه قيل : فإن أعرضن لكم عن شيء منه طيبات النفوس ، والفاء في «فكلوه» (٥) جواب الشرط وهي واجبة ، والفاء في «فكلوه» عائدة على «شيء».
فإن قيل : لم قال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) ولم يقل : وهبن لكم أو سمحن لكم؟.
فالجواب أنّ المراعى هو تجافي نفسها عن [الموهوب طيبة](٦).
قوله : (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).
__________________
(١) في أ : حسن.
(٢) البيت للمخبل السعدي ينظر ديوانه ص ٢٩٠ ، والخصائص ٢ / ٣٨٤ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٣٥ ، والدر المصون ٢ / ٣٠٧ ، وللمخبل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص ١٨٨ ؛ وللمخبل السعدي ، أو لأعشى همدان أو لقيس بن الملوّح في الدرر ٤ / ٣٦ وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص ٣٤٨ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٣٣٠ وشرح المفصل ٢ / ٧٤ ، والمقتضب ٣ / ٣٦ ، ٣٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٥٢.
(٣) البيت لربيعة بن مقروم ينظر شرح شواهد المغني ص ٨٦٠ ، وشرح عمدة الحفّاظ ص ٤٧٧ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٦ ، ومغني اللبيب ص ٤٦٢ ، والدر المصون ٢ / ٣٠٧ ، وشرح شواهد المغني للبغدادي ٧ / ٢٢.
(٤) في أ : بهن.
(٥) في أ : فكلوه.
(٦) سقط في ب.