وصى يصي إذا وصل ، فإذا قيل : أوصاني (١) ، فمعناه : أوصلني إلى علم ما أحتاج إلى علمه ، وكذلك وصّى وهو على المبالغة.
وقال الزّجّاج (٢) : معنى قوله هاهنا (يُوصِيكُمُ) أي : يفرض عليكم ؛ لأنّ الوصية من الله إيجاب لقوله بعد نصّه على المحرمات (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) [الأنعام : ١٥١].
وقرأ الحسن (٣) وابن أبي عبلة (يُوصِيكُمُ) بالتّشديد ، وقد تقدّم أنّ أوصى ووصّى لغتان.
قوله : (فِي أَوْلادِكُمْ) قيل : ثمّ مضاف محذوف أي : في أولاد موتاكم.
قالوا : لأنّه لا يجوز أن يخاطب الحيّ بقسمة الميراث في أولاده ، ويفرض عليه ذلك.
وقال بعضهم : إن قلنا إنّ معنى (يُوصِيكُمُ) «يبين لكم» لم يحتج إلى هذا التقدير ، وقدّر بعضهم قبل : (أَوْلادِكُمْ) مضافا ، أي : في شأن أولادكم ، أو في أمر أولادكم.
قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ) هذه الجملة من مبتدأ وخبر ، يحتمل أن تكون في محلّ نصب ب «يوصي» ؛ لأنّ المعنى : يفرض لكم ، أو يشرّع في أولادكم ، كذا قاله أبو البقاء ، وهذا يقرب من مذهب الفرّاء ، فإنّه يجري ما كان بمعنى القول مجراه في حكاية الجمل ، فالجملة في موضع نصب ب «يوصيكم».
وقال مكّيّ : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ) ابتداء وخبر في موضع نصب تبيين للوصيّة وتفسير لها.
وقال الكسائيّ : «ارتفع «مثل» على حذف «أنّ» تقديره : أنّ للذكر مثل حظّ ، وبه قرأ ابن أبي عبلة (٤) ، ويحتمل ألّا يكون لها محلّ من الإعراب ، بل جيء بها للبيان والتّفسير فهي جملة مفسّرة للوصيّة ، وهذا أحسن وجار على مذهب البصريين ، وهو ظاهر عبارة الزمخشريّ ، فإنّه قال : وهذا إجمال تفصيله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
وقوله : (لِلذَّكَرِ) لا بدّ من ضمير يعود على (أَوْلادِكُمْ) من هذه الجملة ، فيحتمل أن يكون محذوفا أي : للذكر منهم نحو : «السّمن منوان بدرهم» قاله الزمخشريّ ، ويحتمل أن يكون قام مقام الألف واللام عند من يرى ذلك ، والأصل : لذكرهم و «مثل» صفة لموصوف محذوف أي : للذّكر منهم حظّ مثل حظّ الأنثيين.
فإن قيل : لا يقال في اللّغة : أوصيك لكذا ، فكيف قال هنا (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ)؟.
فالجواب أنّه لما كانت الوصية قولا ، فلهذا قال بعد قوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ) قولا
__________________
(١) في ب : أوصني.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٦٥.
(٣) انظر : البحر المحيط ٣ / ١٩٠ ، والدر المصون ٢ / ٣١٩.
(٤) في أ : علية.