فإن قيل : حظّ الأنثيين الثّلثان فقوله (١)(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يقتضي أن يكون حظّ الذّكر مطلقا هو الثّلث (٢) ، وذلك ينفي أن يأخذ المال كله.
فالجواب : أنّ المراد منه حال الاجتماع لا حال الانفراد ؛ لأن قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) يقتضي حصول الأولاد ، وقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يقتضي حصول الذكر والأنثى هناك ، هذا كلّه إذا كان ابنا واحدا فقط ، فلو كانوا أكثر من واحد تشاركوا في جهة الاستحقاق ؛ ولا رجحان ، فوجب قسم المال بينهم بالسّويّة ، والله أعلم.
فإن قيل : إنّ المرأة أكثر عجزا من الرجل ، وأقل اقتدارا من الرّجل لعجزها عن الخروج والبروز ، فإنّ زوجها وأقاربها يمنعونها من ذلك ، ولنقصان عقلها وكثرة اختداعها واغترارها ، وإذا ثبت أنّ عجزها أكمل ، وجب أن يكون نصيبها من الميراث أكثر ، فإن لم يكن أكثر فلا أقل من المساواة ، فما الحكمة في أنّه تعالى جعل نصيبها نصف نصيب الرجل؟.
فالجواب : لأن خرج المرأة أقل ، لأن زوجها ينفق عليها وخرج الرّجل أكثر ، لأنّه هو المنفق على زوجته ، ومن كان خرجه أكثر فهو إلى المال أحوج ؛ ولأنّ الرّجل أكمل حالا من المرأة في الخلقة وفي العقل والمناصب الدينيّة ، مثل صلاحية القضاء والإمامة ، وأيضا شهادة المرأة نصف شهادة الرّجل ، ومن كان كذلك ؛ وجب أن يكون الإنعام إليه أكثر ؛ ولأنّ المرأة قليلة العقل كثيرة الشّهوة ، فإذا انضاف إليها المال الكثير عظم الفساد ، ولهذا قال الشّاعر : [الرجز].
١٧٦٤ ـ إنّ الفراغ والشّباب والجده |
|
مفسدة للمرء أيّ مفسده (٣) |
وروي أنّ جعفر الصادق سئل عن هذه الآية فقال : «إنّ حواء أخذت حفنة من الحنطة وأكلتها وأخذت حفنة أخرى وخبأتها ثم أخذت حفنة أخرى ودفعتها إلى آدم ، فلما جعلت نصيبها ضعف نصيب الرجل أقلب الله الأمر عليها فجعل نصيب المرأة نصف نصيب الرّجل».
فإن قيل : لم لم يقل للأنثيين مثل حظ الذّكر ، أو للأنثى مثلا نصف حظ الذّكر؟
فالجواب أنّه لمّا كان الذّكر أفضل من الأنثى قدّم ذكره على ذكر الأنثى كما جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى ، ولأنّ قوله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) يدلّ على فضل (٤) الذكر بالمطابقة ، وعلى نقص الأنثى بالالتزام ، ولو قال كما ذكرتم لدلّ على نقص الأنثى بالمطابقة وفضل الذّكر بالالتزام ، فرجح الطريق فترجح الطرف الأوّل تنبيها على أنّ السّعي
__________________
(١) في أ : لقوله.
(٢) في أ : الثلثان.
(٣) البيت لأبي العتاهية. ينظر : ديوانه (٤٩٥) ، الرازي ٩ / ١٦٨ ، وروح المعاني ٤ / ٢١٧.
(٤) في ب : تفضيل.