و «يوصي» فعل مضارع المراد به المضمر ، أي : وصية أوصى بها و «بها» متعلق به ، والجملة في محلّ جرّ صفة ل «وصية».
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر (١) «يوصى» مبنيّا للمفعول في الموضعين ، ووافقهم حفص في الأخير ، والباقون مبنيا للفاعل.
وقرىء (٢) شاذا «يوصّى» بالتشديد مبنيا للمفعول ، ف «بها» في قراءة البناء للفاعل في محلّ نصب ، وفي قراءة البناء للمفعول في محلّ رفع لقيامه مقام الفاعل.
قوله : «أو دين» ، «أو» هنا لأحد الشيئين ، قال أبو البقاء (٣) : «ولا تدلّ على ترتيب ، إذ لا فرق بين قولك : «جاءني زيد أو عمرو» ، وبين قولك : «جاءني عمرو أو زيد» ؛ لأنّ «أو» لأحد الشيئين ، والواحد لا ترتيب فيه ، وبهذا يفسد قول من قال : «من بعد دين أو وصية» وإنّما يقع الترتيب فيما إذا اجتمعا ، فيقدّم الدّين على الوصيّة».
وقال الزّمخشريّ : «فإن قلت : فما معنى أو؟ قلت : معناها الإباحة ، وأنّه إن كان أحدهما ، أو كلاهما قدّم على قسمة الميراث ، كقولك : «جالس الحسن أو ابن سيرين» ، فإن قلت : لم قدّمت الوصيّة على الدّين والدّين مقدّم عليها في الشّريعة؟.
قلت : لما كانت الوصيّة مشبهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض ، كان إخراجها ممّا يشقّ على الورثة ، بخلاف الدّين ، فإن نفوسهم مطمئنّة إلى أدائه ، فلذلك قدّمت على الدّين بعثا على وجوبها ، والمسارعة إلى إخراجها مع الدّين ، ولذلك جيء بكلمة «أو» للتّسوية بينهما في الوجوب». وقال ابن الخطيب (٤) : إنّ كلمة «أو» إذا دخلت على (٥) النفي صارت في معنى الواو ، كقوله : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] وقوله : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) [الأنعام : ١٤٦] فكانت «أو» هاهنا بمعنى الواو ، وكذلك قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) لما كان في معنى الاستثناء صار كأنه قال : إلّا أن يكون هناك وصية أو دين فيكون المراد بعدهما جميعا.
قوله : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ) مبتدأ ، و (لا تَدْرُونَ) وما في حيّزه في محلّ الرفع خبرا له.
و (أَيُّهُمْ) فيه وجهان :
__________________
(١) انظر : السبعة ٢٢٨ ، والحجة ٣ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، وحجة القراءات ١٩٣ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٠ ، والعنوان ٨٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٩٤ ، وشرح شعلة ٣٣٣ ، وإتحاف ١ / ٥٠٥.
(٢) قرأ بها الحسن بن أبي الحسن.
انظر : المحرر الوجيز ٢ / ٧١ ، والدر المصون ٢ / ٣٢٢ ، والشواذ ٢٥.
(٣) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٩.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٧٦.
(٥) في ب : مع.