من جميع نواحيه ، ويؤيّد هذا القول بأنّ الآية نزلت في جابر ، ولم يكن له يوم نزلت أب ولا ابن.
وأيضا يقال (١) : كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة وحمل فلان على فلان ثمّ كلّ عنه إذا تباعد ، فسميت القرابة البعيدة كلالة من هذا الوجه.
وأيضا يقال : كلّ الرّجل يكلّ كلّا وكلالة : إذا أعيا وذهبت قوّته ، فاستعاروا هذا اللفظ عن القرابة الحاصلة من غير أولاد لبعدها (٢).
وأيضا فإنّه تعالى قال (قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) [النساء : ١٧٦] وهذه الآية تدلّ على أنّ الكلالة من لا ولد له ولا والد ؛ لأنّه شرط عدم الولد وورّث الأخت والأخ ، وهما لا يرثان مع وجود الأب.
وروى جابر قال (٣) : مرضت مرضا شديدا أشرفت منه على الموت ، فأتاني النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا رسول الله إنّي رجل لا يرثني إلّا كلالة ، وأراد به أنّه ليس له والد ولا ولد ، وهو قول سعيد بن جبير وإليه ذهب أكثر الصّحابة.
وروي عن عمر أيضا أنّه قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الكلالة فما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيها ، ضرب بيده صدري وقال «يكفيك آية الصّيف» ، وهي الآية الأخيرة من سورة النساء سميت بذلك ؛ لأنها نزلت في الصّيف ، ومات ولم يفهمها ولم يقل فيها شيئا.
وقيل : (الْكَلالَةِ :) المال الموروث ، وهو قول النّضر بن شميل.
وقيل : (الْكَلالَةِ) القرابة ، وقيل : الوراثة.
فقد تلخص مما تقدم أنّها [إمّا](٤) الميّت الموروث أو الوارث ، أو المال الموروث ، أو الإرث ، أو القرابة.
وأما اشتقاقها : فقيل : هي مشتقة من تكلّله الشّيء ، أي (٥) : أحاط به ، وذلك أنّه إذا لم يترك ولدا ولا والدا فقد انقطع طرفاه ، وهما عمودا نسبه (٦) وبقي ماله الموروث لمن يتكلّله نسبه ، أي : يحيط به كالإكليل.
ومنه «الروضة المكللة» أي : بالزّهر ، وعليه قول الفرزدق : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الرازي ٩ / ١٧٩.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٧٩.
(٣) ينظر : الرازي ٩ / ١٨٠.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : إذا.
(٦) في أ : على عمود النسبة.