وروي ـ من طريق آخر ـ عن ابن عباس : أن أشراف الناس طمعوا أن يخصهم النبي صلىاللهعليهوسلم من الغنائم بشيء زائد ، فنزلت الآية (١).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم بعث طلائع ، فغنموا غنائم ، فقسمها ولم يقسّم للطلائع ، فنزلت الآية (٢).
وقال الكلبيّ ومقاتل : نزلت هذه الآية في غنائم أحد ، حين ترك الرّماة المركز ؛ طلبا للغنيمة ، وقالوا : نخشى أن يقول النبي صلىاللهعليهوسلم : من أخذ شيئا فهو له ، وأن لا يقسم الغنائم ـ كما لم يقسّمها يوم بدر ـ فتركوا المركز ووقعوا في الغنائم ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : ألم أقل لكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟ قالوا : تركنا بقية إخواننا وقوفا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : بل ظننتم أن نغلّ ، فلا نقسم ، فنزلت الآية (٣).
وقيل : إن الأقرباء ألحّوا عليه يسألونه من المغنم ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) فيعطي قوما ، ويمنع آخرين ، بل عليه أن يقسم بينهم بالسّويّة.
هذه الأقوال موافقة للقراءة الأولى.
وأما ما يوافق القراءة الثانية فروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما وقعت غنائم هوازن في يده يوم حنين ، غلّ رجل بمخيط ، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة : ذكر لنا أنها نزلت في طائفة غلت من أصحابه.
قوله : (وَمَنْ يَغْلُلْ) الظاهر أن هذه الجملة الشرطية مستأنفة لا محل لها من الإعراب ، وإنما هي للردع عن الإغلال ، وزعم أبو البقاء أنها يجوز أن تكون حالا ، ويكون التقدير : في حال علم الغالّ بعقوبة الغلول.
وهذا ـ وإن كان محتملا ـ بعيد.
و «ما» موصولة بمعنى الذي ، فالعائد محذوف أي : غلّه ، ويدل على ذلك الحديث : أنّ أحدهم يأتي بالشيء الذي أخذه على رقبته.
ويجوز أن تكون مصدرية ، ويكون على حذف مضاف ، أي : بإثم غلوله.
__________________
ـ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٦١) عن سعيد بن جبير وزاد نسبته لعبد بن حميد.
والحديث أخرجه الترمذي كتاب التفسير باب سورة آل عمران (٣٠١٠) من طريق مقسم عن ابن عباس وقال حديث غريب.
(١) انظر «تفسير الرازي» (٩ / ٥٧) عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٥١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٦٢) وزاد نسبته لابن أبي شيبة من طريق سلمة بن نبيط عن الضحاك.
(٣) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٥٧).