روي أنّ عمر بن الخطاب قال على المنبر : «ألا لا تغالوا في مهور نسائكم» فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنع ، وتلت هذه الآية فقال عمر : كلّ الناس أفقه منك يا عمر ، ورجع عن ذلك (١).
قال ابن الخطيب (٢) : وعندي أنّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة ؛ لأن قوله (إِحْداهُنَّ قِنْطاراً)(٣) لا يدل على جواز إيتاء القنطار ، كما أن (٤) قوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] لا يدل على حصول الآلهة فالحاصل أنّه لا يلزم من جعل الشيء شرطا لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع.
قال عليه الصلاة والسلام : «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين» (٥) ولم يلزم منه
__________________
ـ قصير الأجل ، يفنى قبل أن تسدّد أقساطه ونجومه ، وبدهي أن المغالاة في الجهاز هي السبب الوحيد في المغالاة في المهور.
واجب الآباء : يجب على الآباء أن يقتصدوا في الجهاز. وأن يحضروا منه ما يلائم الزوج والزوجة ، وما يمكنهما الانتفاع به طويلا ، وأن يخففوا المهور ، حتى يسعد الأزواج ، ويفتتحوا حياتهم الجديدة بالسعادة والهناء ، والرفاء ، والبنين.
العرس : والمصيبة الكبرى الأعراس وما يصنع فيها :
١ ـ يدعو صاحب العرس أهله ، وجيرانه ، وأحبابه ، وأصدقاءه ، ثم يتغالى في ذلك ، فيدعو أصحاب الوجاهة والقدر ، وإن كان لا يعرفهم ، طلبا للمباهاة والفخر ، وهذا يستدعي أن يعد لهم من الطعام ما يلائم وجاهتهم ، فيكلف نفسه نفقات كان في غنى عنها لو اقتصر على أهله ، وأعزّ أصدقائه وجيرانه وعمل وليمة تناسب حاله ؛ عملا بسنة النبيصلىاللهعليهوسلم.
المغنون والمغنيات : بعد هذا تأتي عادة أشنع من سابقتها ، تلك هي إحضار المغنين من الرجال ، والمغنيات من النساء ، وهذا يستدعي أن يتنافس الزائرت في ثيابهن وحليهن ، وفي الهدايا التي تقدم للعروس وفيما يعطى للمغنيات ومن على شاكلتهن ، ممن يهيئن العروس للزفاف ، وفي ذلك الخراب العاجل ، هذا إلى ما في هذه الاجتماعات من الأمور المنكرة التي لا ترضي الله تعالى.
عمل العقلاء : ومما يبشر بالخير أن بعض العقلاء هجروا كل هذه العادات العتيقة ، واستعاضوا بها ما هو خير لهم وأبقى لأموالهم ، وأنفع للعروسين ولأهلهم.
(١) أخرجه سعيد بن منصور (٥٩٨) والبيهقي (٧ / ٢٣٣) وأبو يعلى كما في «مجمع الزوائد» (٤ / ٢٨٤) من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي قال : خضب عمر بن الخطاب ... فذكره.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٢٨٤) فيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد وثق.
وقال البيهقي : هذا منقطع.
وأخرجه سعيد بن منصور (٥٩٩) والبيهقي (٧ / ٢٣٣) من طريق حميد الطويل عن بكر بن عبد الله قال : قال عمر بن الخطاب ... فذكره بلفظ : خرجت وأنا أريد أن أنهاكم عن كثرة الصداق حتى عرضت لي هذه الآية : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً).
قال البيهقي عقبه : هذا مرسل جيد.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٢.
(٣) في ب : وآتيتم إحداهن قنطارا.
(٤) في ب : في.
(٥) أخرجه الترمذي (١ / ٢٦٤) وأحمد (٥ / ٣٨٥) والدارقطني (٣ / ٩٧) من طريق سعيد بن أبي سعيد ـ