لأنّا نقول : أنتم تساعدونا على أنّ لفظ النّكاح مستعمل في العقد ، فلو قلنا : إنّ النكاح حقيقة في الوطء لزم دخول التخصيص في الآيات التي ذكرناها ولزم القول بالمجاز في الآيات التي ذكر النّكاح فيها بمعنى الوطء ولا يلزمنا التخصيص فقولكم : يوجب المجاز والتخصيص معا وقولنا : يوجب المجاز فقط ، فكان (١) قولنا أولى.
الوجه الثّاني من الوجوه الدّالة على أنّ النّكاح ليس حقيقة في الوطء قوله عليه [الصلاة](٢) والسلام «ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح» وهذا يقتضي أن لا يكون الوطء نكاحا.
الوجه الثالث (٣) : من حلف في أولاد الزنا أنهم ليسوا أولاد نكاح لم يحنث ، ولو كان الوطء نكاحا لوجب أن يحنث.
سلمنا أنّ الوطء يسمى نكاحا لكن العقد أيضا يسمى نكاحا فلم كان حمل الآية على ما [ذكرتم أولى من حملها على ما ذكرنا](٤).
وأمّا قولهم إنّ الوطء مسبب للعقد ، فكما يحسن إطلاق المسبب مجازا ، فكذا يحتمل أن يقال النّكاح اسم للعقد ثم أطلق هذا الاسم على الوطء لكون الوطء مسببا له ، فلم كان أحدهما أولى من الآخر ، بل ما ذكرناه أولى ؛ لأن استلزام السبب للمسبب (٥) أولى وأتم من استلزام المسبب للسبب المعين ، فإنّه لا يمنع حصول الحقيقة الواحدة بأسباب كثيرة كالملك ، فإنّه يحصل بالبيع والهبة والوصية والإرث ، ولا شك أنّ الملازمة شرط لجواز المجاز ، فثبت أنّ القول بأنّ اسم النّكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد أولى من عكسه.
والوجه الثاني : أنّه ثبت في أصول الفقه أنّه يجوز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه معا فحينئذ يلزم ألا تكون الآية دالة على حكم العقد ، وهذا وإن كانوا قد التزموه لكنه مدفوع بإجماع المفسرين على سبب نزول هذه الآية هو أنّهم كانوا يتزوجون بأزواج آبائهم ، وأجمع المسلمون على أنّ سبب نزول تلك الآية لا بد وأن يكون داخلا [تحت الآية ، بل اختلفوا في أنّ غيره هل يدخل تحت الآية أم لا؟ فأمّا أنّ سبب النّزول يكون](٦) داخلا فيها فذلك مجمع عليه ، وإذا ثبت أنّ سبب النزول لا بدّ وأن يكون مرادا ثبت بالإجماع أنّ النهي عن العقد مراد من هذه الآية فيكون قولهم مضاد للدليل القاطع ، فيكون مردودا.
وأمّا استدلالهم بالضم فضعيف ؛ لأنّ الضم الحاصل في الوطء عبارة عن اتحاد
__________________
(١) في ب : لكان.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٧.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : للسبب.
(٦) سقط في ب.