الأجسام (١) وتلاصقها ، والضم الحاصل في العقد ليس كذلك ؛ لأنّ الإيجاب والقبول أصوات غير باقية ، فمعنى الضمّ والتّلاقي والتّجاور فيها محال ، وإذا كان كذلك فليس بين الوطء والعقد مفهوم مشترك حتى [يقال إنّ لفظ النكاح حقيقة فيه ، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا أن يقال لفظ النكاح مشترك بين الوطء والعقد](٢) ويقال : إنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر ، ويرجع الكلام إلى الوجهين الأوّلين.
الوجه الثالث : سلمنا أنّ النّكاح بمعنى الوطء ولكن لم قلتم إن قوله (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) المراد منه المنكوحة بل المراد منه المصدر لإجماعهم على أنّ لفظ «ما» حقيقة في غير العقلاء ، فلو كان المراد منه المنكوحة لزم هذا المجاز ، وهو خلاف الأصل ، بل أهل العربية اتفقوا على أن «ما» مع ما بعدها في تقدير المصدر فتقدير الآية : «ولا تنكحوا نكاح آباوكم» ، ويكون المراد منه النّهي عن أن ينكحوا نكاحا مثل نكاح آبائهم فإن أنكحتهم كانت بغير ولي ولا شهود ، وكانت مؤقتة ، وكانت على سبيل القهر والإلجاء ، فنهاهم الله تعالى عن مثل هذه الأنكحة بهذه الآية ؛ وهذا الوجه منقول عن ابن جرير وغيره كما تقدّم.
الوجه الرابع : سلّمنا أنّ المراد المنكوحة ، والتقدير : ولا تنكحوا ما نكح (٣) آباؤكم ، ولكن قوله (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) ليس صريحا في العموم بدليل أنّه يصحّ إدخال لفظ الكلّ في البعض عليه (٤) فيقال : ولا تنكحوا بعض ما نكح آباؤكم ، [ولو كان هذا صريحا في العموم لكان إدخال لفظ الكلّ عليه تكرارا ، وإدخال لفظ البعض عليه نقصا ، ومعلوم أنّه ليس كذلك ، وإذا ثبت أنه لا يفيد العموم لم يتناول محل النزاع ، لا يقال : لو لم يفد يصير مجملا غير مفيد والأصل ألا يكون كذلك ؛ لأنا نقول : لا نسلّم أن التقدير لا يفيد العموم لم يكن صرفه إلى البعض أولى من صرفه إلى غيره ، وذلك لأن المفسرين أجمعوا على أنّ سبب نزوله إنما هو التزوّج بزوجات الآباء ، فكان صرفه إلى هذا القسم أولى ، وبهذا التقرير يزول الإجمال].
الوجه الخامس : سلمنا أن هذا النهي يتناول محل النّزاع لكن لم قلتم : إنّه يفيد التحريم ، أليس أن كثيرا من أقسام النّهي لا يفيد التّحريم ، بل يفيد التنزيه ، أقصى ما في الباب أن يقال : هذا على خلاف الأصل ، ولكن يجب المصير إليه إذا دلّ الدّليل على صحّة [هذا](٥) النكاح [وسنذكره.
الوجه السادس : هب أن ما ذكرتم يدل على فساد هذا النكاح](٦) إلا أن ههنا ما يدلّ على صحّة هذا النكاح وهو من وجوه :
__________________
(١) في ب : الأقسام.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : بعض من.
(٤) في الرازي يصح إدخال لفظي الكل والبعض عليه.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.