يعني إن وجد فيهم عيبا فهو هذا ، وهذا لا يعدّه أحد عيبا فانتفى العيب عنهم بدليل ، ولكن هل الاستثناء على هذا المعنى الّذي أبداه الزّمخشريّ ، من قبيل المنقطع ، أو المتصل؟ والحقّ أنّه متصل لأن المعنى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم [إلا](١) اللاتي مضين وفنين ، وهذا محال ، وكونه محالا لا (٢) يخرجه عن الاتّصال ، وأمّا البيت ففيه نظر ؛ والظّاهر أنّ الاستثناء فيه متصل أيضا لأنه جعل العيب شاملا لقوله : «غير أن سيوفهم [بهن فلول من قراع](٣)» بالمعنى الّذي أراده وللبحث فيه مجال ، فتلخّص (٤) ممّا تقدّم أنّ المراد بالنّكاح في هذه الآية العقد الصّحيح ، أو الفاسد أو الوطء ، أو يراد بالأوّل العقد ، وبالثّاني الوطء وقد تقدّم الكلام على ذلك في البقرة. وزعم بعضهم أنّ في الآية تقديما وتأخيرا ، والأصل : «ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا ما قد سلف» ، وهذا فاسد من حيث الإعراب ومن حيث المعنى ، أمّا الأوّل فلأنّ ما في حيز «إن» لا يتقدّم عليها ، وأيضا فالمستثنى يتقدّم على الجملة الّتي هو من متعلّقاتها سواء كان متّصلا أو منقطعا وإن كان في هذا خلاف ضعيف.
وأمّا الثّاني فلأنّه أخبر أنه فاحشة ومقت في الزّمان الماضي [بقوله «كان» ، فلا يصحّ أن يستثنى منه الماضي ؛ إذ يصير المعنى هو فاحشة في الزّمان الماضي](٥) إلا ما وقع منه في الزّمان الماضي فليس بفاحشة. وقيل : إن «إلا» هاهنا بمعنى «بعد» كقوله تعالى (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ)(٦) [الدخان : ٥٦] أي بعد الموتة الأولى وقيل (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) قيل نزول آية التحرير وقيل (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فإنكم مقرون عليه ، قالوا : لأنّه عليهالسلام أقرّ بما عليهنّ مدة ثم أمر بمفارقتهن وإنّما فعل ذلك ليكون إخراجهم عن العادة الرّدئية على سبيل التّدرّج.
وقيل : إنّ هذا خطأ ؛ لأنّه عليهالسلام ما أقرّ أحدا على نكاح امرأة أبيه ، وإن كان في الجاهليّة ، لما روى البراء بن عازب قال : مرّ بي خالي أبو بردة [ابن نيار](٧) ومعه لواء قلت أين تذهب؟ قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى رجل تزوّج امرأة أبيه من بعده آتيه برأسه وآخذ ماله (٨).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : لم.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : فيخلص.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.
(٧) سقط في ب.
(٨) أخرجه الترمذي (١ / ٢٥٥) وابن ماجه (٢٦٠٧) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٨٥) وابن أبي شيبة (١١ / ٨٧) والبيهقي (٨ / ٢٣٧) وأحمد (٢٩٢٤) من طريق أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب.
وقال الترمذي : حديث غريب.