فقيل : إلّا ما قد سلف أي لكن ما سلف ، فلا إثم عليه.
وقال ابن زيد في معنى ذلك أيضا : إنّ المراد بالنّكاح العقد الصّحيح ، وحمل (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) على ما كان يتعاطاه بعضهم من الزّنا [فقال : إلا ما سلف من الآباء في الجاهلية من الزنا](١) بالنّساء ، فذلك جائز لكم زواجهم في الإسلام ، وكأنّه قيل : ولا تعقدوا على من عقد آباؤكم عليه إلّا ما قد سلف من زناهم ، فإنّه يجوز لكم أن تتزوّجوهم ، فهو استثناء منقطع أيضا.
والثاني : أنّه استثناء متّصل وفيه معنيان :
أحدهما : أن يحمل النّكاح على الوطء ، والمعنى : أنّه نهى أن يطأ الرّجل امرأة وطئها أبوه ، إلا ما قد سلف من الأب في الجاهليّة من الزّنا بالمرأة ، فإنّه يجوز للابن تزويجها نقل هذا المعنى عن ابن زيد أيضا إلّا أنّه لا بدّ من التّخصيص [أيضا](٢) في شيئين :
أحدهما : قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)(٣) أي : ولا تطئوا وطئا مباحا بالتّزويج.
والثّاني : التّخصيص في قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) بوطء الزّنا وإلا فالوطء فيما قد سلف قد يكون [وطئا](٤) غير زنا ، وقد يكون زنا فيصير التقدير : ولا تطئوا ما وطىء آباؤكم وطئا مباحا بالتزويج إلّا من كان وطؤها فيما مضى وطء زنا في الجاهليّة.
والمعنى الثّاني : ولا تنكحوا مثل نكاح آبائكم في الجاهلّية إلّا ما تقدّم منكم من تلك العقود الفاسدة فيباح لكم الإقامة عليها في الإسلام ، إذا كان ممّا يقرر الإسلام عليه ، وهذا على رأي من يجعل «ما» مصدريّة ، وقد تقدّم مثل ذلك. وقال الزّمخشريّ (٥) : فإن قلت : كيف استثنى (ما قَدْ سَلَفَ) مما نكح آباؤكم؟ قلت : كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قوله «ولا عيب فيهم» يعني : إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه ، فلا يحل لكم غيره ، وذلك غير ممكن ، والغرض المبالغة في تحريمه ، وسدّ الطريق إلى إباحته كما تعلّق بالمحال في التأبيد في نحو قولهم : «حتى يبيضّ القار» و (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف : ٤٠] انتهى.
أشار رحمهالله إلى بيت النّابغة في قوله : [الطويل]
١٧٧٢ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب (٦) |
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : الكشاف ١ / ٤٩٣.
(٦) ينظر البيت في ديوانه (٤٤) شرح شواهد المغني ص ٣٤٩ ، وخزانة الأدب ٣ / ٣٢٧ ، ٣٣١ ، ٣٣٤ ، والدرر ٣ / ١٧٣ ، والأزهية ص ١٨٠ ، وإصلاح المنطق ص ٢٤ وهمع الهوامع ١ / ٢٣٢ ، مغني اللبيب ص ١١٤ ، لسان العرب (قرع) ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٦٧ والدر المصون ٢ / ٣٣٩.