«زوجوا بناتكم [الأكفاء](١)» وهذه العمومات تتناول محل النزاع ، والترجيح يكون بكثرة الأدلة ، وبتقدير أن يثبت (٢) لهم أن النكاح حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، فيكون حملنا الآية على العقد لم يلزمنا إلّا مجاز واحد ، وبتقدير أن تحمل تلك الآية على حرمة الوطء تلزمنا هذه التخصيصات الكثيرة ، فكان الترجيح من جانبنا لكثرة الدلائل.
وثالثها : الحديث المشهور وهو قوله عليهالسلام «الحرام لا يحرم الحلال» أقصى ما في هذا الباب أن يقال : إن قطرة من الخمر إذا وقعت في كوز ماء ، فههنا الحرام حرّم الحلال ، [وإذا اختلطت المنكوحة بالأجنبيات واشتبهت بهن فههنا الحرام حرم الحلال](٣) إلا أنّا نقول : دخل التخصيص فيه في بعض الصور ، ولا يمنع من الاستدلال به.
ورابعها : أن يقول : المقتضي لجواز النّكاح قائم ، والفارق بين محلّ الإجماع وبين محلّ النّزاع ظاهر ؛ فوجب القول بالجواز أمّا المقتضي فهو أن يقيس نكاح هذه المرأة على نكاح سائر النّسوان عند حصول الشّرائط المتفق عليها ؛ بجامع ما في النّكاح من المصالح ، وأمّا الفارق : فهو أنّ هذه الحرمة إنّما حكم الشّارع بثبوتها سعيا في إبقاء الوصلة الحاصلة بسبب النكاح ، ومعلوم أنّ هذا لا يليق بالزّنا.
بيان المقام الأول : من تزوج بامرأة فلم يدخل على المرأة أبو الرجل وابنه ، ولم تدخل على الرجل أم المرأة وبنتها ، لبقيت المرأة كالمحبوسة في البيت ، ولتعطل (٤) على الزوج والزوجة أكثر المصالح ، ولو أذنّا في هذا الدخول ، ولم نحكم بالمحرمية فربما امتد عين البعض إلى البعض ، وحصل الميل والرغبة ، وعند حصول التزوج بأمها وابنتها تحصل النفرة الشديدة بينهن ؛ لأنّ صدور الإيذاء عن الأقارب أقوى وقعا ، وأشد إيلاما وتأثيرا ، وعند حصول النفرة الشّديدة يحصل التّطليق والفراق ، أمّا إذا حصلت المحرمية انقطعت الأطماع وانحبست الشهوة ، فلا يحصل ذلك الضرر فيبقى النكاح بين الزّوجين سليما عن هذه المفسدة ، فثبت أن المقصود من حكم الشّرع بهذه المحرمية السعي في تقرير الاتصال الحاصل بين الزّوجين ، وإذا كان المقصود من المحرميّة ابقاء ذلك الاتّصال ، فمعلوم أن الاتصال الحاصل عند النكاح مطلوب البقاء ، فناسب حكم الشرع بإثبات هذه المحرمية [وأما الاتصال الحاصل بالزنا فهو غير مطلوب البقاء ، فلم يتناسب](٥) حكم الشرع بإثبات هذه المحرمية ، وهذا وجه مقبول.
قوله (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه منقطع ؛ إذ الماضي لا يجامع الاستقبال ، والمعنى أنّه لما حرّم عليهم نكاح ما نكح آباؤهم [من النّساء](٦) تطرق الوهم إلى ما مضى في الجاهليّة ما حكمه؟
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : ثبت.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : والتعطيل.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.