غير المؤبّد ، فيقال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أبدا ، ويقال (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) إلى الوقت الفلانيّ ، ولو كان صريحا في التّأبيد لما كان هذا التقسيم ممكنا في الآية ، فالآية لا تفيد [إلّا](١) إحلال من سوى المذكورات ، والعقل يشهد بأنّ الإحلال أعمّ من الإحلال المؤبّد ، ومن الإحلال المؤقّت ، فالآية لا تفيد إلا حلّ من (٢) عدا المذكورات في ذلك الوقت ، فأمّا ثبوت حكمهم في سائر الأوقات فمسكوت عنه ، وقد كان حلّ من سوى المذكورات ثابتا في ذلك الوقت ، وطريان حرمة بعضهم بعد ذلك لا يكون تخصيصا لذلك النّصّ ولا نسخا له ، وبهذا الطّريق يظهر أنّ قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] ليس نصّا في تأبيد هذا التّحريم ، وإنّما عرفنا ذلك التّأبيد بالتّواتر من دين محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
الثّاني : أنّ حرمة الجمع بين الأختين لكونهما أختين يناسب هذه الحرمة ؛ لأنّ الأختيّة قرابة قريبة فناسبت مزيد الوصلة والشّفقة والكرامة ، فكون إحداهما ضرّة الأخرى موجب الوحشة العظيمة والنّفرة الشّديدة كالأختية تناسب حرمة الجمع بينهما في النّكاح لما ثبت في أصول الفقه : أنّ ذكر الحكم مع الوصف المناسب مشعر بالعلّية (٣) ، وهذا المعنى موجود في المرأة وعمّتها ، وخالتها ، بل أولى ؛ لأنّ العمّة[والخالة](٤) تشبهان الأمّ.
والثّالث : أنّه تعالى نصّ على تحريم أمّهات النّساء ، ولفظ الأمّ قد ينطلق على العمّة والخالة ، أمّا العمّة فلقوله تعالى مخبرا عن أولاد يعقوب عليهالسلام (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [البقرة : ١٣٣] فأطلق (٥) لفظ الأب على «إسماعيل» مع أنّه كان عمّا وإذا (٦) كان العمّ أبا لزم أن تكون العمّة أمّا ، وأمّا إطلاق لفظ «الأمّ» على الخالة فقوله تعالى (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف : ١٠٠] والمراد أبوه وخالته ، فإنّ أمّه كانت متوفّاة في ذلك الوقت فثبت أن قوله (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) يتناول العمّة والخالة من بعض الوجوه وإذا كان كذلك (٧) فلم يكن قوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) متناولا له ، وإنّما تناولتهم آية التحريم في قوله (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) إمّا بالدلالة (٨) الصّريحة ، أو الجليّة ، أو الخفية.
الرّابع : أن تقول : يجوز تخصيص (٩) عموم الكتاب بخبر الواحد الصّنف الثّاني من المحرّمات ، والخارجة من هذا العموم : المطلقة ثلاثا ، ونكاح المعتدّة ، ومن كان متزوّجا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : الإحلال عند.
(٣) في أ : بأهلية.
(٤) سقط في أ.
(٥) في أ : فانطلق.
(٦) في أ : فإذا.
(٧) في أ : لذلك.
(٨) في أ : الدلالة.
(٩) في أ : التخصيص.