أحدهما : أن يكون هذا الجارّ خبرا مقدما والمبتدأ محذوف ، تقديره : لمن من الله على المؤمنين منّه ، أو بعثه إذ بعث فيهم ، فحذف لقيام الدّلالة.
الثاني : أنه جعل المبتدأ نفس «إذ» بمعنى : وقت ، وخبرها الجارّ قبلها ، وتقديره : لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه ، ونظره بقولهم : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما.
وهذان وجهان ـ في هذه القراءة ـ مما يدلان على رسوخ قدمه في هذا العلم.
قال شهاب الدين : إلا أن أبا حيان قد ردّ عليه الوجه الثاني بأن «إذ» غير متصرفة ، لا تكون إلا ظرفا ، أو مضافا إليها اسم زمان ، أو مفعولة ب «اذكر» ـ على قول ـ ونقل قول أبي علي ـ فيها وفي «إذا» أنهما لم يردا في كلام العرب إلا ظرفين ، ولا يكونان فاعلين ، ولا مفعولين ، ولا مبتدأين.
قال : ولا يحفظ من كلامهم : إذ قام زيد طويل ـ يريد : وقت قيامه طويل ـ وبأن تنظيره القراءة بقولهم : أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما ، خطأ ؛ من حيث إن المشبه مبتدأ ، والمشبه به ظرف في موضع الخبر ـ عند من يعرب هذا الإعراب ـ ومن حيث إنّ هذا الخبر ـ الذي قد أبرزه ظاهرا ـ واجب الحذف ؛ لسدّ الحال مسدّه (١) ، نص عليه النحويون الذين يعربونه هكذا ، فكيف يبرزه في اللفظ؟
__________________
(١) يحذف الخبر وجوبا في أربعة مواضع :
الأول : أن يكون خبرا لمبتدأ بعد لو لا ، نحو : لو لا زيد لأتيتك ، التقدير : لو لا زيد موجود لأتيتك ، والحذف في مثل هذا واجب إلا قليلا ، وهذه هي طريقة لبعض النحويين ، والطريقة الثانية أن الحذف واجب دائما ، وأن ما ورد من ذلك بغير حذف في الظاهر مؤول ، والطريقة الثالثة أن الخبر إما أن يكون كونا مطلقا ، أو كونا مقيدا فإن كان الأول وجب الحذف ، وإن كان كونا مقيدا فإما أن يدل عليه دليل أو لا ، فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره ، وإن دل عليه دليل ، جاز إثباته وحذفه.
الثاني : أن يكون المبتدأ نصا في اليمين ، نحو : «لعمرك لأفعلن» التقدير «لعمرك قسمي» فعمرك : مبتدأ ، وقسمي : خبر ، ولا يجوز التصريح به. فإن لم يكن المبتدأ نصا في اليمين لم يجب حذف الخبر ، نحو «عهد الله لأفعلنه» التقدير «عهد الله عليّ» فعهد الله : مبتدأ ، وعليّ : خبره ، لك إثباته وحذفه.
الموضع الثالث : أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية ، نحو «كل رجل وضيعته» فكل : مبتدأ ، وقوله «ضيعته» معطوف على كل ، والخبر محذوف والتقدير «كل رجل وضيعته مقترنان» ويقدر الخبر بعد واو المعية.
فإن لم تكن الواو نصا في المعية لم يحذف الخبر وجوبا ، نحو «زيد وعمرو قائمان».
الموضع الرابع : أن يكون المبتدأ مصدرا ، وبعده حال سدت مسد الخبر ، وهي لا تصلح أن تكون خبرا ، فيحذف الخبر وجوبا ، لسد الحال مسده ، وذلك نحو «ضربي العبد مسيئا» فضربي : مبتدأ ، والعبد : معمول له ، و «مسيئا» : حال سدت مسد الخبر ، والخبر محذوف وجوبا ، والتقدير «ضربي العبد إذا كان مسيئا» إذا أردت الاستقبال وإن أردت المضي فالتقدير «ضربي العبد إذا كان مسيئا» فمسيئا : حال من الضمير المستتر في (كان) المفسر بالعبد. و «إذا كان» أو «إذ كان» ظرف زمان نائب عن الخبر.
ابن عقيل ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ارتشاف الضرب ٢ / ٣٠ ـ ٣١ البسيط في شرح الجمل ٩١.