«لما» إليه ، وتقديره : أقلتم حين أصابتكم. و «أنى هذا» نصب ؛ لأنه مقول ، والهمزة للتقرير والتقريع.
فإن قلت : علام عطفت الواو هذه الجملة؟ قلت : على ما مضى من قصة أحد ـ من قوله : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) ـ ويجوز أن تكون معطوفة على محذوف ، [كأنه قيل](١) : أفعلتم كذا ، وقلتم حينئذ كذا؟ انتهى.
أمّا جعله «لما» بمعنى «حين» ـ أي ظرفا ـ فهو مذهب الفارسيّ وقد تقدم تقرير المذهبين وأما قوله : «عطف على قصة أحد» فهذا غير مذهبه ، لأن الجاري من مذهبه إنما هو تقدير جملة ، يعطف ما بعد الواو عليها ـ أو الفاء ، أو «ثم» ـ كما قرره هو في الوجه الثاني.
و «أنى هذا» «أنى» بمعنى من أين ـ كما تقدم في قوله : (أَنَّى لَكِ هذا) [آل عمران : ٣٧] ـ ويدل عليه قوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) وقوله : (مِنْ عِنْدِ اللهِ) قاله الزمخشري.
ورد عليه أبو حيّان بأن الظرف إذا وقع خبرا للمبتدأ لا يقدّر داخلا عليه حرف جر ، غير «في». أما أن يقدر داخلا عليه «من» فلا ؛ لأنه إنما انتصب على إسقاط «في» ولذلك إذا أضمر الظرف تعدى إليه الفعل بواسطة «في» إلا أن يتسع في الفعل فينصبه نصب التشبيهبالمفعول به ، فتقدير الزمخشريّ غير سائغ ، واستدلاله بقوله تعالى : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) وقوله : (مِنْ عِنْدِ اللهِ) وقوف مع مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ ، وذهول عن هذه القاعدة التي ذكرناها.
واختار أبو حيان أن «أنى» بمعنى «كيف» قال : و «أنى» سؤال عن الحال ـ هنا ـ ولا يناسب أن يكون ـ هنا ـ بمعنى «أين» أو «متى» لأن الاستفهام لم يقع عن المكان ، ولا عن الزمان ، إنما وقع عن الحال التي اقتضت لهم ذلك ، سألوا عنها على سبيل التعجّب ـ وجاء الجواب من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ـ في قوله : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ـ والسؤال ب «أنى» سؤال عن تعيين كيفية حصول هذا الأمر ، والجواب بقوله : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) يتضمن تعيين الكيفية ؛ لأنه بتعيين السبب تتعين الكيفية من حيث المعنى لو قيل ـ على سبيل التعجّب والإنكار ـ : كيف لا يحج زيد الصّالح؟ وأجيب ذلك بأن يقال : لعدم استطاعته ، لحصل الجواب ، وانتظم من المعنى أنه لا يحج وهو غير مستطيع.
قال شهاب الدين : «أما قوله : لا يقدّر الظرف بحرف جرّ غير «في» فالزمخشريّ لم يقدر «في» مع «أن» حتى يلزمه ما قال ، إنما جعل «أنى» بمنزلة «من أين» في المعنى. وأما عدوله عن الجواب المطابق لفظا فالعكس أولى».
__________________
(١) في أ : تقديره.