[ووضعوا](١) موضعه الجلد ؛ ونظيره (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [البقرة : ٧٩].
فإن قيل : كيف يمكن هذا في الكتاب الّذي بلغت آحاد حروفه ، وكلماته مبلغ التّواتر ، واشتهر في الشّرق والغرب.
فالجواب : لعل القوم كانوا قليلين ، والعلماء بالكتاب كانوا في غاية من القلّة فقدروا على ذلك.
وقيل : المراد بالتّحريف : إلقاء (٢) الشّبه والتّأويلات الفاسدة لتلك النّصوص ، وأما الآية التي في المائدة : فهي دالّة على الجمع بين الأمرين ، فكانوا يذكرون التّأويلات الفاسدة ، وكانوا يحرّفون اللّفظ أيضا من الكتاب.
فقوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) إشارة إلى التّأويل الباطل.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) إشارة إلى إخراجه عن هذا الكتاب.
وقيل : المراد بالتّحريف : تغيير صفة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن عبّاس (٣) : كانت اليهود يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويسألونه عن الأمر ، فيخبرهم ، فيرى أنّهم يأخذون بقوله ، فإذا انصرفوا من عنده ، حرّفوا كلامه (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) منك قولك (وَعَصَيْنا) أمرك ، وهو المراد بقوله : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا).
قوله : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)(٤) ، في نصب «غير» وجهان :
أحدهما : أنه حال.
والثاني : أنه مفعول به ، والمعنى : اسمع غير مسمع كلاما ترضاه ، فسمعك (٥) عنه ناب.
قال الزّمخشريّ ، بعد حكايته نصبه على الحال ، وذكره (٦) المعنى المتقدّم : ويجوز على هذا أن يكون (غَيْرَ مُسْمَعٍ) مفعول اسمع ، أي : اسمع كلاما غير مسمع إيّاك ؛ لأن أذنك لا تعيه نبوّا عنه ، وهذا الكلام ذو وجهين ، يعني أنه يحتمل المدح والذّم :
فبإرادة المدح تقدر غير مسمع مكروها ، فيكون قد حذف المفعول الثّاني ؛ لأن الأوّل قام مقام الفاعل.
وبإرادة الذّمّ تقدّر «غير مسمع خيرا» وحذف المفعول الثاني : أيضا [والمعنى : كانوا يقولون للنّبي صلىاللهعليهوسلم اسمع ، ويقولون في أنفسهم : لا سمعت](٧).
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : بالقاء.
(٣) ينظر : معالم التنزيل ١ / ٤٣٨.
(٤) انظر : تفسير القرطبي (٥ / ١٠٧).
(٥) في أ : يرضاه ، فسمعك.
(٦) في أ : ونكر.
(٧) سقط في ب.