(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ،) أي أنّه جعل في أولاد [إبراهيم](١) جماعة كثيرين ، جمعوا بين النبوة ، والملك والحكمة ، وأنتم لا تعجبون (٢) من ذلك ، ولا تحسدونهم ، فلم تتعجّبون من حال محمد ولم تحسدونه؟ والمراد ب (آلَ إِبْراهِيمَ) داود ، وسليمان ـ عليهماالسلام ـ ، وب (الْكِتابَ) ما أنزل عليهم وب (الْحِكْمَةَ) النبوة.
فمن فسّر (الفضل) : بكثرة النساء ، والملك العظيم ، والمعنى : أنّ داود وسليمان أوتيا ملكا عظيما ، وكان لسليمان صلوات الله وسلامه عليه ألف امرأة : ثلاثمائة مهريّة ، وسبعمائة سرّيّة ، وكان لداود ـ عليهالسلام ـ مائة امرأة ، ولم يكن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا تسع نسوة ، فلمّا قال لهم ذلك ، سكتوا.
وقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) ، الضمير في به عائد على «إبراهيم» أو على «القرآن» أو على الرّسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، أو على ما أوتيه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فإن عاد إلى محمد ، فالمراد بالذين آمنوا به ، الذين أوتو الكتاب ؛ آمن بعضهم كعبد الله بن سلام ، وأصحابه ، وبقي بعضهم على الكفر والإنكار ، وكذلك إن عاد إلى ما أوتيه إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قال السديّ (٣) : الهاء في «به» ، و «عنه» راجعة إلى إبراهيم ، وذلك أنّه زرع ذات سنة ، وزرع الناس [في تلك السّنة](٤) فهلك زرع الناس ، وزكا زرع إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فاحتاج الناس إليه ، فكان يقول : «من آمن بي أعطيته» فمن آمن ، أعطاه منه ، [ومن لم يؤمن ، منعه منه](٥) ، وإن عاد إلى القرآن ، فالمعنى : أنّ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وأتباعهم معهم ، صدّقوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به ، وقال آخرون (٦) : المراد [أنّ](٧) أولئك الأنبياء مع ما خصّوا به من النّبوة ، والملك ، جرت عادة أممهم : أن آمن بعضهم ، وكفر بعضهم ، فلا تتعجّب يا محمد ، من أمتك ، فإنّ أحوال جميع الأمم هكذا ، وذلك تسلية له ـ عليهالسلام ـ.
قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) قرأ الجمهور «صدّ» بفتح الصّاد ، وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وعكرمة (٨) : «صدّ» بضمها ، وقرأ أبو رجاء (٩) ، وأبو الجوزاء : بكسرها ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : تتعجبون.
(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٤.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٠٧.
(٧) سقط في ب.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٦٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٨٥ ، ونسبها أيضا إلى ابن جبير وابن يعمر والجحدري ، وينظر : الدر المصون ٢ / ٣٧٧.
(٩) وقرأ بها أبي.
ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٨٥ ، والدر المصون ٢ / ٣٧٧.