والسبب في ذلك ؛ أن «ظن» وأخواتها ، نحو : علم ، وحسب ، ضعيفة في العمل ؛ لأنها لا تؤثّر في مفعولاتها ، فإذا تقدّمت دلّ تقدمها على شدّة العناية ، فقوي على التّأثير ، وإذا تأخرت ، دلّ على عدم العناية فلغى ، [وإن توسّطت ، لا يكون في محلّ العناية من كلّ الوجوه ، ولا في محلّ الإهمال من كل الوجوه ، فلا جرم أوجب توسّطها الإعمال](١) ، والإعمال (٢) في حال التوسط أحسن (٣) والإلغاء حال التأخّر ، أحسن ، وإذا عرفت [ذلك](٤) فنقول : «إذن» على هذا الترتيب ، [فإن تقدّمت نصبت الفعل ، وإن توسّطت ، أو تأخرت جاز الإلغاء](٥).
والنّقير : قال أهل اللغة (٦) : النّقير : نقطة في ظهر النواة ، ومنها تنبت النخلة ، وقال أبو العالية (٧) : هو نقد الرجل الشّيء بطرف إصبعه ، كما ينقر الدّرهم ، وأصله : أنّه فعل من النّقر ، يقال للخشب الذي ينقر فيه : إنّه نقير ؛ لأنه ينقر ، والنّقر : ضرب الحجر وغيره بالمنقار ، يقال : فلان كريم النّقير ، أي : الأصل ، والمنقار : حديدة كالفأس تقطع بها الحجارة ، ومنه : منقار الطائر ؛ لأنه ينقر به ، وذكر النّقير هنا تمثيل ، والغرض منه ، أنّهم يبخلون بأقلّ القليل.
قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ).
قال قتادة : المراد أنّ اليهود يحسدون العرب على النّبوة ، وما أكرمهم الله تعالى بمحمّد ـ عليه الصلاة والسلام (٨) ـ.
وقال ابن عبّاس ، والحسن ، ومجاهد [وجماعة](٩) : المراد ب «الناس» رسول الله صلىاللهعليهوسلم حسدوه على ما أحلّ الله له من النّساء ، وقالوا : «ما له هم إلا النكاح» (١٠) وهو المراد بقوله : (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، وقيل : حسدوه على النّبوة ، والشّرف في الدين والدنيا ، وهذا أقرب ، وأولى.
وقيل : المراد ب (النَّاسَ) محمد وأصحابه ، ولمّا بيّن [الله](١١) تعالى أنّ كثرة نعم الله [عليه](١٢) صار سببا لحسد هؤلاء اليهود ، بيّن ما يدفع ذلك الحسد ، [فقال](١٣)
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : والإهمال.
(٣) في ب : حسن.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في ب.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٠٦.
(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٦٢ والبغوي ١ / ٤٤٢.
(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٤٧٨) عن قتادة. والبغوي ١ / ٤٤٢.
(٩) سقط في ب.
(١٠) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٤٧٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٠٩) وزاد نسبته لابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس. والبغوي ١ / ٤٤٢.
(١١) سقط في ب.
(١٢) سقط في ب.
(١٣) سقط في ب.