ماتوا وما قتلوا» والباقون بالتخفيف ، فالتشديد للتكثير ، والتخفيف صالح لذلك ، وقرأ الجمهور «أحياء» رفعا ، على تقدير : بل هم أحياء ، وقرأ ابن أبي عبلة «أحياء» (١) وخرّجها أبو البقاء على وجهين :
أحدهما : أن يكون عطفا على «أمواتا» قال : «كما تقول : ما ظننت زيدا قائما بل قاعدا».
الثاني : ـ وإليه ذهب الزمخشري ـ أيضا ـ أن يكون بإضمار فعل ، تقديره : بل احسبهم أحياء ، وهذا الوجه سبق إليه أبو إسحاق الزجاج ، إلا أن الفارسيّ ردّه عليه ـ في الإغفال ـ وقال ، لأن الأمر يقين ، فلا يجوز أن يؤمر فيه بمحسبة ، ولا يصح أن يضمر فيه إلا فعل المحسبة ، فوجه قراءة ابن أبي عبلة أن يضمر فعلا غير المحسبة ، اعتقدهم ، أو اجعلهم ، وذلك ضعيف ؛ إذ لا دلالة في الكلام على ما يضمر.
قال شهاب الدين : وهذا تحامل من أبي عليّ أما قوله : إن الأمر يقين ، يعني أن كونهم أحياء أمر متيقن ، فكيف يقال فيه : أحسبهم ـ بفعل يقتضي الشك ـ وهذا غير لازم ؛ لأن «حسب» قد تأتي لليقين.
قال الشاعر : [الطويل]
١٦٨٨ ـ حسبت التّقى والمجد خير تجارة |
|
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا (٢) |
وقال آخر : [الطويل]
١٦٨٩ ـ شهدت وفاتوني وكنت حسبتني |
|
فقيرا إلى أن يشهدوا وتغيبي (٣) |
ف «حسب» ـ في هذين البيتين ـ لليقين ؛ لأن المعنى على ذلك. وقوله : وذلك ضعيف ، يعني من حيث عدم الدلالة اللفظية ، وليس كذلك ، بل إذا أرشد المعنى إلى شيء يقدّر ذلك الشيء ـ لدلالة المعنى عليه ـ من غير ضعف ـ وإن كان دلالة اللّفظ أحسن ـ وأما تقديره هو : اعتقدهم أو اجعلهم ، قال الشيخ : هذا لا يصح ألبتة سواء جعلت : اجعلهم بمعنى اخلقهم ، أو صيّرهم أو سمّهم ، أو القهم.
قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون خبرا ثانيا ل «أحياء» على قراءة الجمهور.
الثاني : أن يكون ظرفا ل «أحياء» لأن المعنى : يحيون عند ربهم.
الثالث : أن يكون ظرفا ل «يرزقون» أي : يقع رزقهم في هذا المكان الشريف.
الرابع : أن يكون صفة ل «أحياء» فيكون في محل رفع على قراءة الجمهور ، ونصب على قراءة ابن أبي عبلة.
__________________
(١) انظر المحرر الوجيز ١ / ٥٤٠ ، والبحر المحيط ٣ / ١١٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٥٦.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر البحر المحيط ٣ / ١١٨ ، والدر المصون ٢ / ٢٥٦.