الصّدق ، ولو أمرني محمّد أن أقتل نفسي ، لفعلت ، فأنزل الله في شأن حاطب بن أبي بلتعة هذه الآية (١).
قوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) فيه أربعة أقوال :
أحدها : وهو قول ابن جرير (٢) : أن «لا» الأولى ردّ لكلام تقدّمها ، تقديره : فلا تعقلون ، أو ليس الأمر كما يزعمون من أنّهم آمنوا بما أنزل إليك ، وهم يخالفون حكمك ، ثم استأنف قسما بعد ذلك ، فعلى هذا يكون الوقف على «لا» تامّا.
الثاني : أن «لا» الأولى قدّمت على القسم اهتماما بالنّفي ، ثم [كرّرت](٣) توكيدا للنّفي ، وكان يصحّ إسقاط الأولى ، ويبقى معنى النّفي ، ولكن تفوت الدّلالة على الاهتمام المذكور ، [وكان يصحّ إسقاط الثّانية ويبقى معنى الاهتمام ، ولكن](٤) تفوت (٥) الدّلالة على النّفي ، فجمع بينهما لذلك.
الثالث : أن الثّانية زائدة ، والقسم معترض بين حرفي النّفي والمنفيّ ، وكان التقدير : فلا يؤمنون وربّك.
الرابع : أن الأولى زائدة ، والثّانية غير زائدة ، وهو اختيار الزّمخشري (٦) ؛ فإنه (٧) قال : «لا» مزيدة لتأكيد معنى القسم ؛ كما زيدت في (لِئَلَّا يَعْلَمَ) [الحديد : ٢٩] لتأكيد وجوب العلم ، و (لا يُؤْمِنُونَ) جواب القسم.
فإن قلت : هلّا زعمت أنّها زائدة لتظاهر لا في لا يؤمنون؟».
قلت : يأبى ذلك استواء النّفي والإثبات فيه ؛ [وذلك لقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحاقة : ٣٨ ـ ٤٠] يعني : أنه قد جاءت «لا» قبل القسم ؛ حيث لم تكن «لا» موجودة في الجواب](٨) ، فالزّمخشري (٩) يرى : أن «لا» في قوله ـ تعالى ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) [الحاقة : ٣٨] أنها زائدة أيضا لتأكيد معنى القسم (١٠) ، وهو أحد القولين.
والقول الآخر : كقول الطّبري المتقدّم ؛ ومثل الآية في التّخاريج المذكورة قول الآخر : [الوافر]
١٨٢٠ ـ فلا والله لا يلفى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء (١١) |
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٢٦) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : الطبري ٤ / ١٦٠.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : ويفوت.
(٦) ينظر : الكشاف ١ / ٥٢٨ ، ٥٢٩.
(٧) في ب : فإن.
(٨) سقط في ب.
(٩) ينظر : الكشاف ١ / ٥٢٩.
(١٠) في ب : النفي.
(١١) تقدم برقم ١٥٦٩.