وصف للقرية إلا أنّه مستند إلى أهلها ، فأعطي إعراب «القرية» لأنها صفتها ، وذكر لإسناده إلى الأهل ؛ كما تقول : من هذه القرية التي ظلم أهلها ، ولو أنّث فقيل : «الظالمة أهلها» لجاز ، لا لتأنيث الموصوف ؛ بل لأنّ الأهل يذكّر ويؤنّث.
فإن قلت : هل يجوز : من هذه القرية الظّالمين أهلها؟.
قلت : نعم ؛ كما تقول : «التي ظلموا أهلها» على لغة : «أكلوني البراغيث» ومنه : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] انتهى.
وهذه قاعدة كلية : أنّ الصّفة إذا جرت على غير من هي له سواء كانت خبرا ، أم نعتا ، أم حالا ينعت ما قبلها في اثنين من خمسة : واحد من ألقاب الإعراب ، وواحد من التّنكير والتّعريف ، وأمّا بالنّسبة إلى التّذكير ، والتّأنيث ، والإفراد ، وضدّيه فيحسب المرفوع بها كالفعل ، وقد تقدّم تحقيقه ، ويجب أيضا إبراز الضّمير منها مطلقا ـ أعني : سواء ألبس أم لم يلبس ـ وأمّا إذا كان المرفوع بها اسما ظاهرا ، فلا حاجة إلى رفعها الضّمير ، إلا أنه لا بدّ من راجع يرجع إلى الاسم الموصوف بها لفظا كهذه الآية ، وهذا بخلاف الفعل إذا وصف به ، أو أخبر به ، أو وقع حالا لشيء لفظا وهو لغيره معنى ، فإن الضّمير لا يبرز منه بل يستتر ، نحو : «زيد هند يضربها» و «هند زيد تضربه» من غير ضمير بارز ، لقوة الفعل وضعف الاسم في العمل ، وسواء لم يلبس ـ كما تقدّم تمثيله ـ أو ألبس ، نحو : «زيد عمرو يضربه» إذا قصدت أن زيدا هو الضّارب لعمرو ، هذا مقتضى مذهب البصريّين ، نصّ عليه مكي (١) وغيره ، إلا أنّه قال قبل ذلك : «إلا أنّ اسم الفاعل إذا كان خبرا أو صفة لغير من هو له ، لم يستتر فيه ضمير ، ولا بد من إظهاره ، وكذلك إن عطف على غير من هو له».
قال شهاب الدين : هذه الزّيادة لم يذكرها النّحويّون وتمثيلها عسر ، وأمّا ابن مالك : فإنه سوّى بين الفعل والوصف ، يعني : إن ألبس ، وجب الإبراز حتى في الفعل ، نحو : زيد عمرو يضربه هو» وإن لم يلبس جاز ، نحو : «زيد هند يضربها» وهذا مقتضى مذهب الكوفيين ؛ فإنهم علّلوا باللبس ، وفي الجملة ففي المسألة خلاف.
قوله : (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) قال ابن عبّاس : يريدون: اجعل علينا رجلا من المؤمنين يوالينا ، ويقوم بمصالحنا ، ويحفظ علينا ديننا وشرعنا ؛ فأجاب الله دعاءهم ؛ لأن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لما فتح مكّة ، جعل عتّاب بن أسيد واليا عليهم ، فكان ينصف الضّعيف من القويّ ، والمظلوم من الظّالم (٢).
وقيل : المراد : واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة ، أي : كن أنت لنا وليّا.
__________________
(١) المشكل : ١ / ١٩٧.
(٢) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٠ / ١٤٦) عن ابن عباس.