فإن قيل : ظاهر قوله : (أَوْ أَشَدَّ) يوهم الشّكّ ، وذلك محال على الله ـ تعالى ـ.
فالجواب : يحتمل الأوجه المذكورة في قوله (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ويجوز أن تكون للتنويع ، يعني : أن منهم من يخشاهم كخشية الله ، ومنهم من يخشاهم أشد خشية من خشية الله.
قال ابن الخطيب (١) : وفي تأويله وجوه :
الأوّل : المراد منه : الإبهام على المخاطب ، بمعنى : أنّهم على أحد الصّفتين من المساواة والشدّة ؛ وذلك لأنّ كلّ خوفين فأحدهما بالنّسبة إلى الآخر : إمّا أن يكون مساويا ، أو أنقص ، أو أزيد ، فبيّن ـ تعالى ـ بهذه الآية أن خوفهم من النّاس ليس أنقص من خوفهم من الله ـ تعالى ـ ، بل إمّا أن (٢) يكون مساويا أو أزيد ، وذلك لا يوجب كونه ـ تعالى ـ شاكّا ، بل يوجب إبقاء الإبهام في هذين القسمين على المخاطب.
والثاني : أن يكون (٣) «أو» بمعنى الواو ، والتّقدير : يخشونهم كخشية الله وأشد خشية ، وليس بين هذين القسمين منافاة ؛ لأنّ من هو أشدّ خشية ، فمعه من الخشية مثل خشية الله [وزيادة](٤).
الثّالث : أن هذا نظير قوله : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] يعني : أنّ من يبصرهم يقول هذا الكلام ؛ فكذا ههنا.
قوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنا) أي : هلّا أخرتنا إلى أجل قريب ، يعني : الموت أي : هلّا تركتنا حتّى نموت بآجالنا ، وهذا كالعلّة لكراهتهم (٥) إيجاب القتال عليهم ، ثم إنّه ـ تعالى ـ أجابهم بقوله : قل يا محمّد : (مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) أي : منفعتها والاستمتاع بها قليل ، (وَالْآخِرَةُ) أي : وثواب الآخرة خير وأفضل لمن اتّقى الشّرك ومعصية الرّسول ، وإنّما كانت الآخرة خير ؛ لأن نعم الدّنيا قليلة [فانية](٦) ونعم الآخرة كثيرة باقية ونعم الدّنيا منقطعة (٧) ، ونعم الآخرة مؤبّدة ، ونعم الدّنيا مشوبة بالهموم والمكاره ، ونعم الآخرة صافية من الكدورات.
روى المستورد بن شدّاد ؛ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما الدّنيا في الآخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليمّ ، فلينظر بم يرجع» (٨).
__________________
ـ وحجة القراءات ٢٠٨ ، والعنوان ٨٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٠٩ ، وشرح شعلة ٣٤١ ، وإتحاف : ١ / ٥١٦.
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٤٨.
(٢) في ب : إنما.
(٣) في ب : تكون.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : لعلتهم.
(٦) سقط في أ.
(٧) في ب : فانية.
(٨) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٩٣) كتاب الجنة وصفة نعيمها : باب فناء الدنيا (٥٥ / ٢٨٥٨) والترمذي (٤ / ـ