وعن الثّاني : أنه يصحّ أن يقال : أصابني توفيق من الله ، وعون من الله ، وأصابه خذلان من الله ، ويكون المراد [من ذلك التّوفيق والعون : تلك الطّاعة ، ومن الخذلان : تلك المعصية.
وعن الثّالث : أن كل](١) ما كان منتفعا به فهو حسنة ، فإن كان نفعه في الآخرة ، فهو في الطّاعة ، وإن كان نفعه في الدّنيا فهو السّعادة الحاضرة ، فاسم الحسنة بالنّسبة إلى هذين القسمين متواطىء الاشتراك ، فزال السّؤال ، ويؤيد ذلك : أن البديهة قاطعة (٢) بأنّ كل موجود ممكن لذاته ، مستند للحقّ بذاته وهو الله ـ تعالى ـ ، فلو استغنى الممكن بذاته [عن الحقّ] ، لزم نفي الصّانع ، وهذا الحكم لا يختلف كيف (٣) كان الممكن ؛ حيوانا ، أو جمادا ، أو فعلا ، أو صفة ، وهذا برهان كالشّمس ، مصرّح بأن الكلّ من عند الله ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
قوله : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ).
وقف أبو عمرو (٤) والكسائي ـ بخلاف عنه ـ على «ما» في قوله : (فَما لِهؤُلاءِ) وفي قوله : (ما لِهذَا الرَّسُولِ) [الفرقان : ٧] وفي قوله : (ما لِهذَا الْكِتابِ) [الكهف : ٤٩] وفي قوله : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [المعارج : ٣٦]. والباقون : على اللام التي للجرّ دون مجرورها اتّباعا للرّسم ، وهذا ينبغي ألّا يجوز ـ أعني : الوقفين ـ لأنّ الأوّل يوقف فيه على المبتدأ دون خبره ، والثاني يوقف فيه على حرف الجرّ دون مجروره ، وإنما يجوز ذلك ؛ لضرورة قطع النّفس أو ابتلاء.
قال الفرّاء (٥) : كثرت في الكلام هذه الكلمة ، حتى توهّموا أنّ اللّام متصلة بها ، وأنّهما حرف واحد ، ففصلوا اللّام بما بعدها في بعضه ، ووصلوها في بعضه ، والقراءة الاتّصال ، ولا يجوز الوقف على اللام ؛ لأنّها لام خافضة.
لمّا دل الدّليل على أن كلّ ما سوى الله مستند إلى الله ، وكان ذلك الدّليل في غاية الظّهور ، قال ـ تعالى ـ : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) وهذا يجري مجرى التّعجّب ؛ لعدم وقوفهم على صحّة هذا الكلام مع ظهوره.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على صحّة قولنا ؛ لأنه لو كان حصول الفهم والمعرفة بتخليق الله ـ تعالى ـ ، لم يبق لهذا التّعجّب معنى ألبتّة ؛ لأن السّبب في عدم حصول هذه المعرفة ، هو أن الله ـ تعالى ـ لم يخلق ذلك فيهم.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : ناطقة.
(٣) في أ : كيفية.
(٤) ينظر : إتحاف ١ / ٥١٦ ، ٥١٧ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٨١ ، والبحر المحيط ٣ / ٣١٢ ، والدر المصون ٢ / ٣٩٩.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٥٤.