قال ابن الخطيب : والجواب : أن هذه الآية دلّت على أنّ الإيمان حصل بتخليق الله ـ تعالى ـ : لأن الإيمان حسنة [والحسنة](١) هي الغبطة الخالية عن جميع جهات القبح ، والإيمان كذلك ؛ فوجب أن تكون حسنة ؛ لأنّهم اتّفقوا على أنّ قوله (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) [فصلت : ٣٢] أن المراد به : كلمة الشّهادة ، وقيل في قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] قيل : هو قول لا إله إلّا الله ؛ فثبت أنّ الإيمان حسنة ، وإنما قلنا : إن كل حسنة من الله ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) وهذا يفيد العموم في جميع الحسنات ، وإذا ثبت أنّ الإيمان حسنة ، وكلّ حسنة من الله ، وجب القطع بأنّ الإيمان من الله.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من قوله : «من الله» هو أنّ الله قدّره عليه ، وهداه إلى معرفة حسنه ، وإلى معرفة قبح ضدّه الذي هو الكفر.
قلنا : جميع الشّرائط مشتركة بالنّسبة إلى الإيمان والكفر (٢) عندكم (٣) ثمّ إنّ العبد باختيار نفسه أوجد الإيمان ، ولا مدخل لقدرة الله وإعانته في نفس الإيمان ، فكان الإيمان منقطعا عن الله ـ [تعالى](٤) ـ من كل الوجوه ، فكان هذا مناقضا لقوله : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ؛) فثبت بدلالة هذه الآية أن الإيمان من الله ، والخصوم لا يقولون به ، وأمّا بيان أنّ الكفر أيضا من الله فلوجوه :
أحدها : أن كلّ من قال : الإيمان من الله قال الكفر من الله ؛ فالقول بأحدهما (٥) من الله ـ تعالى ـ دون الآخر ـ مخالف لإجماع الأمّة.
وثانيها : أن العبد لو قدر على تحصيل الكفر ، فالقدرة الصّالحة لإيجاد الكفر : إمّا أن تكون صالحة لإيجاد الإيمان ، أو لا ، فإن كانت صالحة لإيجاد الإيمان ، [فحينئذ](٦) يعود القول في أنّ إيمان العبد منه ، [وإن لم تكن صالحة لإيجاد الإيمان ، فيكون القادر على الشّيء غير قادر على ضدّه ، وذلك عندهم محال ؛ فثبت أنّه لمّا لم يكن الإيمان منه ، وجب ألّا يكون الكفر منه].
وثالثها : أنّه لمّا لم يكن العبد موجدا للإيمان فبأن لا يكون موجدا للكفر أولى ؛ وذلك لأنّ المستقلّ بإيجاد الشّيء هو الّذي يمكنه تحصيل مراده ، ولا نرى في الدّنيا عاقلا ، إلّا يريد أن يكونالحاصل في قلبه هو [الإيمان والمعرفة والحقّ ، وإن أحدا من العقلاء لا يريد أن يكون الحاصل في قلبه هو](٧) الجهل والضّلال والاعتقاد الخطأ ، فإذا كان العبد موجدا لأفعال نفسه ، وهو لا يقصد إلا تحصيل العلم الحقّ المطابق ، وجب ألّا
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : وبالكفر.
(٣) في أ : عندهم.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : بأن أحدهما.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط فيذ أ.