أدغم أبو عمرو وحمزة (١) تاء «بيّت» في طاء «طائفة» لتقاربهما ، ولم يلحق الفعل علامة تأنيث ؛ لكونه مجازيا ، و «منهم» : صفة ل «طائفة» ، والضّمير في «تقول» يحتمل أن يكون ضمير خطاب للرّسول ـ عليهالسلام ـ ، أي : غير الذي تقوله وترسم به يا محمّد ، ويؤيّده قراءة عبد الله (٢) : «بيّت مبيّت منهم» ، وأن يكون ضمير غيبة للطّائفة ، أي : تقول هي.
وقرأ يحيى بن يعمر (٣) : «يقول» بياء الغيبة ، فيحتمل أن يعود الضّمير على الرّسول بالمعنى المتقدّم ، وأن يعود على الطّائفة ، ولم يؤنّث الضّمير ؛ لأن الطّائفة في معنى الفريق والقوم.
قال الزّمخشريّ : «بيت طائفة» أي : زوّرت وسوّت (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) : خلاف ما قلت وما أمرت به ، أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطّاعة ؛ لأنّهم أضمروا الرّدّ لا القبول.
قال الزّجّاج : كل أمر تفكر فيه وتؤوّل في مصالحه ومفاسده كثيرا ، قيل : هذا أمر مبيّت ؛ قال ـ تعالى ـ : (إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) [النساء : ١٠٨] ، وقال قتادة والكلبيّ : بيّت ، أي : غيّر وبدّل الّذي عهد إليهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (٤) ، ويكون التّبييت بمعنى : التّبديل.
وقال أبو عبيدة (٥) : والتّبييت معناه : قالوا وقدّروا ليلا غير ما أعطوك نهارا ، وكل ما قدّر بليل فهو مبيّت (٦).
وقال أبو الحسن الأخفش (٧) : تقول العرب للشّيء إذا قدّر : بيت ، يشبّهونه بتقدير بيوت الشّعر ، وفي اشتقاقه وجهان :
أحدهما : أن أصلح الأوقات للفكر أن يجلس الإنسان في بيته باللّيل ، فهناك تكون الخواطر أجلى والشّواغل أقل ، فلما كان الغالب أنّ الإنسان وقت اللّيل يكون في البيت ،
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٣٥ ، والحجة ٣ / ١٧٣ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٦ ، والعنوان ٨٥ ، وشرح شعلة ٣٤١ ، وإتحاف ١ / ٥١٧ ، والإدغام الكبير لأبي عمرو الداني ص ٩٥.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٨٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٣١٧ ، والدر المصون ٢ / ٤٠١.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣١٧ ، والدر المصون ٢ / ٤٠١.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٥٦٤ ، ٥٦٥) من طريق عكرمة عن ابن عباس ومن طريق ابن جريج عن ابن عباس.
وأورد السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٣٢) طريق ابن جريج عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٥) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٥٥.
(٦) في ب : تبيت.
(٧) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٤٥٥.