والضّمير في «به» يجوز أن يعود على الأمر ، وأن يعود على الأمن أو الخوف ؛ لأنّ العطف ب «أو» والضّمير في «ردّوه» للأمر.
قوله : (لَوْ رَدُّوهُ) أي الأمر ، (إِلَى الرَّسُولِ) أي [لم](١) يحدّثوا به حتّى يكون النّبي (٢) صلىاللهعليهوسلم هو الذي يحدّث به ، و «إلى أولي الأمر [منهم](٣)» أي : ذوي الرأي (٤) من الصّحابة ؛ مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وقيل : أمراء السّرايا ؛ لأنّهم الّذين لهم أمر على النّاس ، وأهل العلم ليسوا كذلك.
وأجيب عن هذا : بأن العلماء يجب على غيرهم قبول قولهم ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة : ١٢٢] فأوجب الحذر بإنذارهم ، وألزم المنذرين قبول قولهم ، فجاز لهذا المعنى إطلاق اسم أولي الأمر عليهم.
قوله : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي : يستخرجونه ، وهم العلماء علموا ما ينبغي أن يكتم ، وما ينبغي أن يفشى ، والاستنباط في اللّغة : الاستخراج ، وكذا «الإنباط» يقال : استنبط الفقيه : إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه ، وأصله من النّبط وهو الماء الذي يخرج من البئر أوّل حفرها قال : [الطويل]
١٨٤٣ ـ نعم صادقا والفاعل القائل الذي |
|
إذا قال قولا أنبط الماء في الثّرى (٥) |
ويقال : نبط الماء ينبط بفتح الباء وضمها.
والنبط أيضا : جيل من الناس سمّوا بذلك ؛ لأنهم يستخرجون المياه والنبات. ويقال في الرّجل الذي يكون بعيد العزّ والمنعة : «ما يجد عدوّه له نبطا». قال كعب : [الطويل]
١٨٤٤ ـ قريب ثراه ما ينال عدوّه |
|
له نبطا ، آبي الهوان قطوب (٦) |
و «منهم» حال : إمّا من الّذين ، أو من الضّمير في «يستنبطونه» فيتعلق بمحذوف.
وقرأ أبو السّمال (٧) : «لعلمه» بسكون اللام ، قال ابن عطيّة (٨) : هو كتسكين (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥] وليس مثله ؛ لأنّ تسكين فعل بكسر العين مقيس ، وتسكين
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : الرسول.
(٣) سقط في أ.
(٤) في أ : وقالوا أي.
(٥) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ٣١٦ والدر المصون ٢ / ٤٠٢.
(٦) ينظر البيت في الأصمعيات (١٠٣) والبحر ٣ / ٣١٦ والدر المصون ٢ / ٤٠٢ والطبري ٨ / ٥٧١ والمحرر الوجيز ٢ / ٨٥.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٨٤ ، والبحر المحيط ٣ / ٣١٩ ، والدر المصون ٢ / ٤٠٢.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٨٤.