المؤمنين ، الذين يعلمون أنه ليس من شرط كونه حقّا هو الدّولة في الدّنيا ، فلأجل تواتر الفتح (١) والظّفر في الدّنيا يدل على كونه حقا ؛ ولأجل تواتر الهزيمة والانكسار يدلّ على كونه باطلا ، بل الأمر في كونه حقا وباطلا على الدّليل ، وهو أحسن الوجوه.
[وقيل : المراد من لم يبلغ التكليف ، وعلى هذا التّأويل قيل : فالاستثناء منقطع ؛ لأن المستثنى لم يدخل تحت الخطاب ، وفيه نظر يظهر في الوجه العاشر.
الثاني : أنه مستثنى من فاعل «أذاعوا» أي : أظهروا أمر الأمن أو الخوف إلا قليلا فأخرج بعض المنافقين من هذه الإذاعة.
الثالث : أنه مستثنى من فاعل «علمه» أي : لعلمه المستنبطون منهم إلا قليلا].
قال الفرّاء والمبرد (٢) : [وأما](٣) القول بأنّه مستثنى من فاعل «أذاعوا» أولى من هذا ؛ لأن ما يعلم بالاستنباط ؛ فالأقلّ (٤) يعلمه والأكثر يجهله ، وصرف الاستثناء إلى المستنبطين يقتضي ضدّ ذلك.
قال الزّجّاج (٥) : هذا غلط ؛ لأنه ليس المراد من هذا الاستثناء (٦) شيئا يستخرجه بنظر دقيق وفكر غامض ، إنما هو استنباط خبر ، وإذا كان كذلك فالأكثرون يعرفونه إنّما البالغ في البلادة والجهالة هو الّذي لا يعرفه ، ويمكن أن يقال : كلام الزّجّاج إنما يصحّ لو حملنا الاستنباط (٧) على مجرّد تعرّف الأخبار والأراجيف ، [أمّا](٨) إذا حملناه على الاستنباط في جميع الأحكام ، كان الحقّ ما ذكره الفرّاء والمبرّد.
الرابع : أنه مستثنى من فاعل «لوجدوا» أي : لوجدوا فيما هو من عند غير الله التناقض إلا قليلا منهم ، وهو من لم يمعن النّظر ، فيظنّ الباطل حقا والمتناقض موافقا.
الخامس : أنه مستثنى من الضّمير المجرور في «عليكم» ، وتأويله كتأويل الوجه الأول.
السادس : أنه مستثنى من فاعل «يستنبطونه» ، وتأويله كتأويل الوجه الثّالث.
السابع : أنه مستثنى من المصدر الدالّ عليه الفعل ، والتقدير : لاتّبعتم الشيطان إلا اتّباعا قليلا ؛ ذكر ذلك الزّمخشري (٩).
الثّامن : أنه مستثنى من المتّبع فيه ، والتقدير : لاتبعتم الشّيطان كلكم إلا قليلا من الأمور كنتم لا تتّبعون الشّيطان فيها ، فالمعنى : لاتبعتم الشّيطان في كل شيء إلا في قليل
__________________
(١) في أ : النسخ.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٦١.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : في الأدل.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٦١.
(٦) في أ : الاستنباط.
(٧) في أ : الاستثناء.
(٨) سقط في أ.
(٩) ينظر : الكشاف ١ / ٥٤٢.